خرج علينا خبر في الصحف المحلية أقل ما يوصف به أنه خبر مخزٍ ومحبط، مفاده أن تحقيقات النيابة الأخيرة بينت أن شبكة الغش في الامتحانات أخرجت ما يقارب الأربعين ألف طالب غشاش!! أي بمعنى آخر أن شبكة مجرمي الغش الأخيرة قد أسفرت عن مصائب وفساد نخر ومازال ينخر في جسد هذا المجتمع الفتي إلى أن أصبح الموضوع شيئاً من الثقافة المجتمعية العامة حتى من دون أن نشعر أو نحس، لكن علينا أن نواجه المسألة بكل وضوح، ونوصم الغش بأنه شكل من أشكال الفساد إن لم يكن هو أس الفساد ذاته، خصوصاً ونحن نواجه تلك الأرقام المخيفة.
الغشاش في الاختبارات لم يولد على هذا المنوال، ولم تكن فطرته بهذا الشكل، بل هو نتاج تراكمات لاستصغار ما يعتقده (هو) وبيئة توافقه على ذلك، أمورا مصيرية أخلاقية ناهيك أنها تخالف الفطرة البشرية السليمة، بل حتى ثقافة الاستحقاق التي أصبحت جزءاً من عقلية أبناء جيل الألفية تزيد هذا الأمر سوءاً فوق سوء، لكن- وقد يكون هذا الأهم- ثقافة الغش لم تصبح جزءاً من ثقافة المجتمع هكذا بين ليلة وضحاها، بل لابد أن لها من حاضنة جعلتها تستشري وتتفاقم، بل ترعاها من عدد من الأطراف بدءاً من المنزل وانتهاء بالقيادات التعليمية ومجالس الأمة على مدى الأزمنة، بالإضافة إلى كل مواطن ومقيم ساهم في هذا البلاء بشكل أو بآخر، بل مع الأسف، أصبح شيئاً اعتيادياً أن تخرج علينا أخبار عمليات استخراج السماعات من آذان الطلبة من خلال غرف عمليات في مستشفيات وزارة الصحة التي باتت شيئاً من العمليات الروتينية في مواسم الاختبارات.
هذا الطالب الغشاش، وإن خرج علينا يوما ما في ثياب المهندس أو الطبيب أو المحامي، لن يكون إلا نواة شر لأبناء وأجيال قادمة من الغشاشين في قادم الأيام، علاوة على أنه أخذ مكان غيره بتفوق وهمي، فهذا الغشاش ومن يرعاه خاصة في محيطه الضيق، قد أجرم بحق هذا الوطن في أكثر من طريقة وسبيل، لكن الأغرب في خضم كل هذه التجاذبات السياسية بين الحكومة والمجلس، هو سكوت اللجنة التعليمية في مجلس الأمة عن هذه الظاهرة الغريبة، أولم تستشعر المسؤولية بعد؟! أولم تحس اللجنة التعليمية إلى وقت كتابة هذا المقال بعظم المسألة؟! كل تلك الأسئلة وغيرها هي لب القضية، وتعطي وضوحا للمسألة أكثر وأكثر، فقط لنعلم أن للغش في الواقع جذوراً عميقة في المجتمع، وقد يراه بعض الناس موضوعاً هيناً وبسيطاً، وهو كما أسلفت شيء أساسي، بل هو رأس كل فساد نعيشه في حاضرنا ويهدد مستقبلنا.
على الهامش:
تطاير الحصى أصبح جزءاً من «العادات والتقاليد» لدينا في الكويت من بعد موسم أمطار الخير، فما إن يأتي المطر ويستبشر الناس خيراً، إلا تذكروا مصير مركباتهم وهي تحت رحمة الحجارة، فلا أعلم لم لا تطبق دولة الكويت ما ذهبت إليه السعودية في تغريم المقاولين والمسؤولين عن الصيانة بشأن أي آثار مادية على مركبات المواطنين؟! ولمَ لم تتخذ وزيرة الأشغال أماني بوقماز مثل هذه الخطوة؟ هل لأنها لا تتكفل بتصليح سيارتها الوزارية فلا تأبه بالمواطنين مثلا؟!