ماشية سمّاري كالعادة
ليت قضية الهدر المالي والإخلال بالمساواة وغياب العدالة وقفت عند حدود الرواتب والمعاشات الاستثنائية التي شرعها مجلس الوزراء المستقيل، وبصمَ عليها النواب عدا خمسة منهم، فهناك ثقوب واسعة أخرى في الممارسة السياسية للسلطة منذ زمن بعيد، وقبل هذه الحكومة المستقيلة التي تراجعت عن قرار «المزايا الهدايا»، المقرر في المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية، ومهما كان تقرير وصرف تلك «الهدايا» معيباً، فإن الرجوع إلى الحق أمرٌ محمود، وبالمَثل العامي نقول «العوض ولا القطيعة».
هناك باب الكوادر المالية الخاصة التي قُررت في السنوات السابقة، كوادر مالية ضربت عرض الحائط بمبدأ المساواة في المعاملة بالجهاز الوظيفي العام، وخصصت تلك الكوادر مزايا مالية عالية لعدد من الوظائف العامة، والتي أضحت عندها تلك الوظيفة مدخلاً للثراء والغنى، وليس خدمة للدولة أو كأجر مقابل عمل، فهناك كوادر مالية عالية لأفراد يعملون في هيئات ومؤسسات حكومية لا يوجد أي مبرر اقتصادي لتقريرها. كوادر كثيرة، ويُفترض بالكادر أن يكون استثناء للحُكم العام، لكن هنا - من كثرتها - أصبح الاستثناء هو القاعدة.
حين قررت تلك الكوادر الخاصة، ولا نعرف كم تستهلك بحجمها من الباب الأول في الميزانية (باب الرواتب والأجور)، كانت بوضوح ممارسة لشراء ولاءات سياسية، وإبر تخدير للوعي العام في إدارة الدولة، بعد أحداث الربيع العربي وتظاهرات 2010، فالسلطة حينها لم تكن تنظر إلى المستقبل، ولم تحسب حساب تهاوي أسعار النفط بعد تقريرها، همّها أولاً وأخيراً إسكات المواطن، فحين يمتلئ البطن يتخدّر العقل.
حتى في تقرير مزايا الكوادر الخاصة حدثت اختلالات في تطبيقها، وقد سأل النائب السابق محمد الدلال عام 2019 وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية في ذلك الوقت عن أسباب عدم المساواة في الكوادر المالية... «فقد تبيّن عدم إنصاف ديوان الخدمة المدنية للجهاز، حيث لم يساوِ في البدلات والمزايا المالية بين جهاز المراقبين الماليين وبين الجهات الرقابية الأخرى (ديوان المحاسبة، والهيئة العامة لمكافحة الفساد، ووحدة التحريات المالية)، ما ترتّب عليه غياب العدالة بين الجهات الرقابية، ووقوع ضرر نفسي ومعنوي كبير على العاملين في جهاز المراقبين الماليين...».
لا أعرف الجواب، وربّما كان أن الحكومة أبخص. ما العمل بهذه البخاصة التي دمّرت المجتمع ومستقبل الدولة؟! ليتها قضية وزير أو أكثر استطاعوا تضليل مجالس الوزراء، أو مسألة استجواب مستحق، وليست قضية سلطة حاكمة تائهة ماشية سماري، وكان الله بالعون لأبنائنا وبناتنا.