كشفت دراسات استقصائية لأحوال العاملين في مجال الرعاية الصحية بدول الشرق الأوسط أن ما بين 67% و80% من الأطباء والممرضات قد أبلغوا عن تعرضهم لحوادث عنف جسدي أو لفظي أثناء العمل، مما دفعهم للتفكير بالهجرة خارج البلاد، بحسب ما نقلت شبكة Deutsche Welle الألمانية.

وتؤكد الدراسات أيضاً أن شباب الأطباء، ممن دون سن الأربعين، هم أكثر الأطباء تعرضاً لهذا النوع من المضايقات في أماكن العمل.

تصاعد ظاهرة الاعتداء بعد كورونا

فيما أشار استطلاع نشره المجلس الدولي للممرضات في عام 2022 إلى أن ظاهرة الاعتداء على الطواقم الطبية قد اشتدت وتيرتها منذ بداية جائحة كورونا وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، مما دفع السلطات الطبية في الشرق الأوسط والدول المجاورة إلى القول إن الجائحة كانت منعطفاً مهماً في هذا السياق، فقد تزايدت هجرة الأطباء من بعده.

على سبيل المثال، أعلنت نقابة الأطباء المصرية حديثاً أن عدد الأطباء المستقيلين من العمل بالمستشفيات الحكومية في عام 2022 كان الأعلى منذ 7 سنوات، إذ ترك 4261 طبيباً وظائفهم خلال العام الماضي، وتقدموا بطلبات للحصول على شهادات تتيح لهم العمل خارج البلاد.

وفي تونس، ذكرت النقابات أن عدد الأطباء المغادرين للبلاد زاد من 800 طبيب في عام 2018 ليصبح 2700 طبيب في عام 2022, وخلصت الاستطلاعات إلى أن ما يقرب من 40% من الأطباء التونسيين الشباب يفكرون في مغادرة البلاد.

في السياق، كشفت تقديرات منظمة الصحة العالمية في عام 2020 أن نسبة تقارب 40% من أطباء لبنان قد هاجروا، وذكرت جمعيات طبية لبنانية هذا العام أن ما يقرب من ثلث الأطباء الباقين يخططون للمغادرة. وتصدر بانتظام تقارير مماثلة من العراق والمغرب والأردن وإيران والكويت.

Ad

«حلقة مفرغة»

وفي معرض الحديث عن أسباب هجرة الأطباء، قالت أميمة الحسني، وهي طبيبة ومنتمية إلى «المنظمة التونسية للأطباء الشبان»، لموقع DW الألماني، إن الأمر يشبه «الحلقة المفرغة».

وعللت ذلك بأن «أسباب زيادة العنف الذي يتعرض لها الأطباء هي نفسها الأسباب التي تدفعهم إلى الرحيل الجماعي: إنها نقص الموارد والمعدات والموظفين. فالمرضى وعائلاتهم يتعرضون لمواقف مروعة، خاصة في خدمات الطوارئ، وهذه العوامل مجتمعة تزيد من حوادث العنف».

فيما ترى الحسني أن التدابير التي تتضمن تعزيز البنية التحتية للصحة العامة وتحسين الرواتب هي أولى الخطوات اللازمة لقطع الطريق على حوادث العنف التي يتعرض لها الممرضون والممرضات.

وكلما كانت العيادة الحكومية أو المستشفى أقل تنظيماً وأسوأ تجهيزاً، تفاقمت الأمور سوءاً، ففي بعض البلدان، اشتكى الأطباء من أن تعيين المسؤولين عن إدارة العيادات صار قائماً على قرب المعينين من الأحزاب السياسية الحاكمة، وليس على المهارات أو الخبرة الطبية.

وأشار آخرون إلى ظاهرة المرضى الذين «يعرفون أشخاصاً ذوي نفوذ» فيفتحون لهم الباب لتخطي قوائم الانتظار، بحسب تقرير DW الألماني.

«ظاهرة متكررة»

من جهة أخرى، قال الدكتور يحيى دوير، المتحدث باسم النقابة العامة للأطباء في مصر، إنه كلما زاد عدد الأطباء المهاجرين، تدهورت أحوال المستشفيات العامة، وهو ما يعني زيادة احتمال وقوع العنف، وانتشار المعلومات المضللة المسيئة لسمعة الأطباء المحليين، وهو ما يؤدي بدوره إلى مزيد من العنف.

وأشارت دراسة استقصائية أجريت في عام 2019 ونشرتها دورية Eastern Mediterranean Health Journal، إلى أن نحو 5% فقط من الأطباء الشباب المصريين يشعرون بتقدير الدولة لهم، ونحو 75% من الأطباء غير راضين عن علاقة المرضى بهم.

وقال ديور إن تحسين أحوال القطاع الطبي في مصر يقتضي تدريب المزيد من الأطباء على أفضل السبل للتواصل مع المرضى بشأن موضوعات مختلفة، مثل أساسيات الموافقة المستنيرة على العلاج والعواقب والنتائج الطبية.

في سياق متصل، أشار التقرير إلى أن حوادث الاعتداء على الأطباء والطواقم الطبية في مختلف بلدان الشرق الأوسط باتت «ظاهرةً متكررة».

فمن مصر التي تعرض فيها طبيب وعاملون بمستشفى في ضاحية حلوان للطعن بالسكين على يد شاب في أغسطس الماضي، إلى تونس التي هاجم مرضى فيها طبيبة طوارئ شابة وحبسوها في مكتبها حتى جاءت الشرطة، لأنها طلبت من أهل المريض التواصل مع قسم العيادات الخارجية وليس الطوارئ، وليس نهاية بالعراق، الذي لا تنقطع شكاوى الأطباء فيه من حوادث التهديد والعنف التي يتعرضون لها إذا لم تتحسن حالة مرضاهم.

ويقول معظم الأطباء العاملين في المنطقة إنهم تعرضوا للعنف في أماكن عملهم، وقد زادت التقارير عن حوادث الاعتداء منذ بداية جائحة كورونا، وتزايد معها عدد الأطباء الذين يلجأون إلى الهجرة من بلادهم للعمل بالخارج أو يسعون إلى ذلك.