قال المتنبي:
وَجُرْمٍ جَرّهُ سُفَهَاءُ قَوْمٍ
وَحَلّ بغَير جارمِه العَذابُ
فتذكرت الآية الكريمة: «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»، لأن مضمون بيت الشعر ارتد على أحد الإعلاميين الذين أخذوا بمبدأ وزير الإعلام النازي جوزيف غوبلز، الذي قال «أكذب ثم أكذب، فقد يصدق الناس بعض الكذب»، معتمداً في أكاذيبه على محطة إذاعية واحدة ومحطة تلفزيونية واحدة وصحيفة واحدة في كل دولة من الدول التي احتلها الجيش النازي، بعكس إعلام هذه الأيام، الذي يعتمد على مئات الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية.
اليوم أصبح من الصعب إخفاء الحقائق عن الناس مهما كانوا بسطاء، ورغم ذلك يواصل بعض الإعلاميين تقديم برنامج «ما يطلبه المتنفذون»، لتنفيذ أجنداتهم الخاصة، فيسبح هؤلاء الإعلاميون عكس التيار بدلاً من مشاركة المخلصين في تناول مطالب المواطنين.
فبعد أن قدمت الدكتورة جنان استقالتها كوزيرة للأشغال ووزيرة الإسكان على منصة الاستجواب قبل أكثر من ثلاث سنوات، نالت إعجاب المواطنين، لشجاعتها في فضح المقاولين والشركات والمتنفذين والفاسدين، وواجهت استجواب نواب المقاولين والشركات، ووقفت في صف الكفاءات الكويتية ضد تلاعب المقاولين والشركات بأموال الشعب، فبرت بقسمها، قبل أن تقدم استقالتها بعد أن فقدت الأمل في الإصلاح.
ولأن الشركات أقوى من الإصلاح وأقوى من الحق، حينها أكدت النائبة السابقة صفاء الهاشم في دفاعها عن الوزيرة جنان بوشهري «أن أعضاء الحكومة كل واحد فيهم يطق الثاني من أجل حماية وزير واحد، وللأسف هناك وزراء أضعف ولا هم كفو وزارة إذا خرجوا من قاعة عبدالله السالم». يبدو أن هذا العرض مازال مستمراً، في الوقت الذي تتم فيه محاربة المخلصين للوطن، وزيراً كان أو نائباً، لأنهم أخذوا على عاتقهم تناول قضايا احتلت مكانة بارزة على سلم الأولويات.
يبدو أن إصرار د. جنان على ملاحقة الفاسدين دفعها لمواجهة المستحيل، حتى لو وضعت يدها في عش الدبابير، وهذه المرة تناولت أعضاء في الحكومة وزملاء لها في البرلمان معاً، فنالها نصيب من اتهامات لا ترقي إلى نقد لاذع، لعدم منطقيتها، ويبدو أن أصحابها لم يقرؤوا محاور الاستجواب المقدم لنائب رئيس الوزراء ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء براك الشيتان، أو أنهم تجاهلوها، فكيف بحكومة ترفض إقرار مشروع إسقاط قروض مواطنين، ولأجل ذلك تنسحب من جلسة نيابية، وفي الوقت نفسه تفتح حنفية المعاشات الاستثنائية، عندما أساءت استخدام المادة (80) من قانون التأمينات الاجتماعية وأصدر مجلس الوزراء قرارات بمنح قياديين سابقين معاشات استثنائية رغم تقاعدهم منذ سنوات، وبعضهم منح معاشاً استثنائياً بأثر رجعي لسنوات بالمخالفة لأبسط القواعد القانونية، وفي تجاوز صارخ على المال العام ومبادئ العدالة والمساواة؟ وكيف تصدر مراسيم تعيين قياديين في الدولة، بعضها من ترشيحات نواب حاليين، لا تنطبق عليهم شروط شغل الوظائف القيادية؟ ولماذا لم «يتحرشوا» بالنائب مبارك الحجرف الذي قدم استجواباً مماثلاً لوزير المالية عبدالوهاب الرشيد؟ «اشمعنى» جنان بوشهري؟ تصور أن نائباً يتناول قضايا تمس المال العام وتمس حقوق المواطن ومستقبله فينتقد هذا النائب.
الغريب أن د. جنان لم تتسلم راتباً استثنائياً، على الأقل بعد تركها لمنصبها الوزاري، ورغم ذلك يلوك بعض الإعلاميين أكاذيب حول معاش استثنائي لها من وحي خيالاتهم، فأي درك أسفل انحدرنا إليه في الإعلام؟ حسبي الله ونعم الوكيل.