أكد تقرير الشال الاقتصادي أن السنوات المقبلة وحتى 2037 ستكون سنوات حرجة من حيث هبوط إيرادات النفط، وزيادة النفقات العامة، إذ سيتعرض النفط لحرب بيئية وأخرى من تقنيات الوقود النظيف، لافتاً إلى أن الفاصل بين استقرار الكويت أو ضياعها هو الوعي المبكر بتلك الحقيقة وما تتطلبه من ضبط لمصارف تلك الإيرادات، ومضمون القرارات المتخذة بحصافة بشأن الإنفاق.

وقال «الشال» إن الـ 15 عاماً الأخيرة شهدت تعرض النفط لثلاث نكسات؛ لكنه تعافى منها بسبب بدء رواج أداء الاقتصاد العالمي، ثم تلقّى دفعة كبيرة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، وغطت إيراداته نحو 103 في المئة من إجمالي النفقات العامة، مبيناً أنه خلال تلك الحقبة انفلتت تماماً السياسة المالية للكويت، وزادت فضائح الفساد، وأعلنت الحكومة - رسمياً - احتمال عجزها عن دفع الرواتب والأجور في صيف عام 2020.

وأكد أن الكويت بلد مالية عامة غير مستدامة، وتعتمد بشكل شبه كلي على بيع أصل ناضب (النفط) واستبداله بنقد، موضحاً أن ذلك النقد (الدولار) ساهم في تمويل نفقاتها العامة بمعدل 90 في المئة على مدى 60 عاماً، وهو ما يعني أن الهدف الثابت في كل خطط التنمية وبرامج الحكومة، وهو تنويع مصادر الدخل، جاءت نتائجه صفراً أو أدنى قليلاً، فقد اختارت الإدارة العامة للبلد مبدأ اقتسام ثروته الناضبة، بدلاً من تنميتها.

وذكر أن السياسات المالية للكويت قادتها مع الأسف إلى حصاد لعنة مواردها بدلاً من نعمتها، مؤكداً أن «استمرار تلك السياسات على خرابها بات مستحيلاً، ومن أجل بعث الأمل في احتمالات الإصلاح، سنفترض أن السياسات المالية السابقة جاءت نتيجة سوء تقدير حكومي في معظمها، لا سوء نية».

في تفاصيل الخبر

قال تقرير الشال الاقتصادي، إنه في علم المالية العامة التقليدي، الإيرادات العامة هي ضريبية في معظمها، وحتى تكون تلك الإيرادات نامية ومستدامة، لا بدّ من ضمان بيئة أعمال منافسة، ولا بدّ من العمل على ضمان نشاط اقتصادي متنامٍ على الدوام.

Ad

ففي بريطانيا مثلاً، نصيب مساهمة الدخل الضريبي 74 بالمئة، ومثلها في سنغافورة، ترتفع في السويد إلى نحو 83 بالمئة، وتنخفض في الولايات المتحدة الأميركية إلى 65 بالمئة، وفي دول نفطية مثل النرويج تبلغ نحو 77 بالمئة، وفي الاقتصاد السعودي، وهو في بدايات مشروع تنويع مصادر دخله، تبلغ نحو 33 بالمئة.

ووفق «الشال» في الكويت، ليس هناك اقتصاد، بل هناك مالية عامة لا ينطبق عليها تعريف المالية العامة في علم المالية العامة، تمول الضريبة نفقاتها العامة بنسبة 2.5 بالمئة فقط، وصلب إيراداتها العامة هو استبدال أصل بنقد، أي استخراج نفط واستبداله بدولار أميركي، لذلك تصبح مخاطره عالية؛ إن لم تستثمر حصيلتها في خلق مصادر دخل بديلة، وهو ما فشلت الكويت فيه على مدى الـ 60 عاماً الماضية.

أفضلها كان الربع الأول من تلك الـ 60 عاماً الممتد من السنة المالية (1960/1961 - 1975/ 1976)، وقد بلغت الإيرادات العامة النفطية فيها نحو 195 بالمئة من حجم النفقات العامة، لذلك كانت حقبة تعززت فيها احتياطيات الكويت المالية، وشهدت نهايتها إنشاء صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وكانت الحقبة الأفضل منذ الاستقلال.

عكسها تماماً كانت حقبة السنوات الـ 15 التالية (1976/1977 - 1992/1993)، فبعد ارتفاع شديد لأسعار النفط إبان الثورة الإيرانية عامَي 1979 و1980، انتكس سوق النفط أسعاراً وإنتاجاً، حتى انفرطت منظمة أوبك في ديسمبر 1985، وزامن ذلك بدء انفلات السياسة المالية، مما ضاعف من معدل الإنفاق السنوي لتلك الحقبة، ليصبح 10 أضعاف مستوى الحقبة التي سبقتها.

وقد أصاب الرواج سوق النفط بعدها، بسبب ظاهرة النمو الصيني غير المسبوق في فترة الـ 15 سنة اللاحقة (1993/1994 - 2006/2007)، رغم انتكاسة نمور آسيا عام 1997، وعوّضه لاحقاً رواج اقتصاد عالمي اصطناعي في بداية الألفية الثالثة، بسبب انفلات السياسات النقدية، الذي انتهى بأزمة عام 2008 الكبرى، وبلغت إيرادات النفط خلالها 112 بالمئة من حجم النفقات العامة التي طالها بعض الانضباط في تسعينيات القرن الفائت، ولم يزد معدل نمو نفقات تلك الحقبة سوى بنحو 62 بالمئة عن معدل الحقبة السابقة لها.

وفي حقبة الـ 15 عاماً الأخيرة (2007/2008 - 2021/2022) أصيب سوق النفط بثلاث نكسات؛ الأولى بعد سبتمبر 2008، لكنّه تعافى منها سريعاً، بسبب تعافي الاقتصاد العالمي بفعل التوسع الشديد للسياسات المالية والنقدية، ثم انتكاسة خريف 2014 واستمرت معاناته حتى أواخر ذلك العقد، ثم أصيب بنكسته الثالثة إبان جائحة كورونا، وتعافى بسبب بدء رواج أداء الاقتصاد العالمي، ثم تلقّى سوق النفط دفعة كبيرة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، وغطت إيراداته خلال تلك الحقبة نحو 103 بالمئة من إجمالي النفقات العامة، وجاء معظم الدعم لأسباب استثنائية في السنتين الأخيرتين، وخلال تلك الحقبة انفلتت تماماً السياسة المالية المحلية، وأعلنت الحكومة - رسمياً - احتمال عجزها عن دفع الرواتب والأجور في صيف عام 2020.

أما السنوات الـ 15 القادمة (2022/2023 - 2036/2037) فسوف تكون سنوات حرجة من زاوية هبوط إيرادات النفط، وزاوية الضغوط الطبيعية لزيادة النفقات العامة، وفي شق الإيرادات النفطية، وإلى جانب مخاطر أداء الاقتصاد العالمي الضعيف، شاملاً الصين، سيتعرّض النفط لحرب مماثلة لما تعرّض له بعد وقف تصدير النفط العربي للغرب في أكتوبر 1973، والذي انتهى بانفراط «أوبك»، نتيجة صراع أعضائها على حصص الإنتاج، كما سيتعرّض لحرب بيئية وأخرى من تقنيات الوقود النظيف.

والوعي المبكر بتلك الحقيقة وما تتطلبه من ضبط لمصارف تلك الإيرادات، ومن أجل مستقبل مئات الألوف من الشباب القادمين إلى سوق العمل، إلى جانب متطلبات حياتهم الضرورية الأخرى، سيصبح الفاصل بين الاستقرار أو الضياع، هو مضمون ما نتخذه من قرارات اليوم في حصافة إنفاق الإيرادات العامة.