البيانات تمهد الطريق لرفع «الفدرالي» الفائدة بوتيرة أبطأ
• «الوطني»: الاقتصاديون يرون أن الركود في 2023 ليس حتمياً
تناول تقرير «الوطني» ما يراه الاقتصاديون بأن الركود في عام 2023 ليس حتمياً، «حيث نشهد مؤشرات دالة على انحسار التضخم حتى مع استمرار انخفاض معدلات البطالة. وقد يتيح ذلك المجال أمام مجلس الاحتياطي الفدرالي لرفع أسعار الفائدة بوتيرة أكثر بطئاً، مما يقلل من مخاطر عدم النجاح في تحقيق هبوط سلس».
ارتفعت تكلفة السلع والخدمات في الولايات المتحدة بنسبة 0.1 في المئة فقط في ديسمبر، في إشارة أخرى إلى تراجع معدلات التضخم، مما يمهد الطريق لمجلس الاحتياطي الفدرالي لوقف رفع أسعار الفائدة قريباً. وخلال الاثني عشر شهراً حتى ديسمبر، حسب تقرير أسواق النقد السبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 5.0 في المئة بعد تسجيل ارتفاع بنسبة 5.5 في المئة في نوفمبر. ليسجل المعدل السنوي أقل زيادة في 15 شهراً. وباستثناء المواد الغذائية والطاقة المتقلبين، ارتفع المؤشر بنسبة 0.3 في المئة بعد ارتفاعه 0.2 في المئة في نوفمبر. أما على أساس سنوي، فارتفع المؤشر الأساسي بنسبة 4.4 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر بعد تسجيله ارتفاعاً بنسبة 4.7 في المئة في نوفمبر. وكشفت أحدث قراءة لمؤشر أسعار المستهلكين ارتفاع معدل التضخم بنسبة 6.5 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر، وتسجيله لتباطؤ حاد منذ الصيف.
وخلال العام الماضي، رفع مجلس الاحتياطي الفدرالي سعر الفائدة بمقدار 425 نقطة أساس من مستويات أقرب إلى الصفر لتتراوح حول 4.25 في المئة -4.50 في المئة، ليصل بذلك إلى أعلى المستويات المسجلة منذ أواخر عام 2007. وتقوم الأسواق المالية الآن بتسعير زيادة سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في الاجتماع المقبل للبنك المركزي المقرر عقده في الأول من فبراير. واليوم، مع تحول مجلس الاحتياطي الفدرالي لوقف تحركات رفع سعر الفائدة، اتجه «المركزي» الأوروبي وبنك اليابان بدلاً من ذلك في المضي بمسيرة تشديد السياسات النقدية.
الاقتصاد يسجل نمواً قوياً
حافظ الاقتصاد الأميركي على وتيرة النمو القوي في الربع الرابع من العام، مما يعزز من موقف الاحتياطي الفدرالي للحفاظ على موقفه المتشدد لفترة أطول. وقالت وزارة التجارة في تقديرها المسبق للربع الأخير من العام، إن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بمعدل سنوي بلغت نسبته 2.9 في المئة بالربع الأخير من العام. بينما نما الاقتصاد بنسبة 3.2 في المئة في الربع الثالث من العام مقابل توقعات بأن يصل معدل النمو إلى 2.6 في المئة. وعلى مدار العام كله، مقارنة بالربع الأخير من العام السابق، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1 في المئة، بانخفاض حاد مقابل النمو بنسبة 5.7 في المئة في 2021، علماً أن تلك البيانات أولية، وسيتم تعديلها مرتين على الأقل خلال الأشهر المقبلة.
وتزامن النمو الاقتصادي القوي مع مساهمة تحسن أداء سوق العمل وتباطؤ وتيرة التضخم في التشجيع على الإنفاق رغم المخاوف من حدوث ركود. وخلال العام الماضي، تقلص الناتج المحلي الإجمالي بالنصف الأول من العام، مما أثار الحديث عن الدخول في مرحلة من الركود الاقتصادي ثم التعافي لاحقاً. وكان هذا النمط المتقلب مدفوعاً بالتحركات الكبيرة التي شهدتها التجارة والمخزونات - المكونات الأكثر تقلباً في قياس الناتج المحلي الإجمالي.
وفي الوقت الحالي، تباطأت وتيرة التعافي بعد الجائحة مقابل الوتيرة المحمومة التي شهدناها خلال 2021، إلا أن الاقتصاد الأوروبي أثبت مرونته في مواجهة الحرب الدائرة في أوروبا، والضغوط التضخمية العالمية، والسياسات المتشددة للبنك المركزي الأميركي. وبالانتقال إلى عام 2023، سيستمر اختبار المرونة في ظل مواصلة ارتفاع معدلات التضخم واتباع الاحتياطي الفدرالي سياسات نقدية متشددة.
الركود في 2023 ليس حتمياً
وعلى الصعيد الإيجابي، يرى الاقتصاديون أن الركود في عام 2023 ليس حتمياً، حيث نشهد مؤشرات دالة على انحسار التضخم حتى مع استمرار انخفاض معدلات البطالة. وقد يتيح ذلك المجال أمام مجلس الاحتياطي الفدرالي لرفع أسعار الفائدة بوتيرة أكثر بطئاً، مما يقلل من مخاطر عدم النجاح في تحقيق هبوط سلس.
تحركات الأسواق
تراجع الدولار الأميركي مقابل أقرانه في ظل تضاؤل التركيز على الاحتياطي الفدرالي باعتباره المحرك الرئيسي لأسواق العملات وتحويل المستثمرين تركيزهم إلى سياسات البنوك المركزية الرئيسية الأخرى. وحتى الآن، فقد مؤشر الدولار الأميركي 1.5 في المئة من قيمته منذ بداية العام الحالي حتى تاريخه. وساهمت التوقعات الأكثر تشدداً نسبياً من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان في تعزيز أداء كل من اليورو والين، اللذين عادا ليسجلا أقوى مستوياتهما منذ ربيع 2022.
العودة إلى النمو بمعدلات متواضعة
عاد اقتصاد منطقة اليورو إلى تسجيل نمو متواضع في ديسمبر للمرة الأولى منذ يونيو، مما يعزز على الأرجح تحرك البنك المركزي الأوروبي لرفع أسعار الفائدة. وبلغت قراءة مؤشر ستاندرد أند بورز العالمي لمديري المشتريات في منطقة اليورو، والذي يتضمن نشاط قطاعي التصنيع والخدمات، 50.2 في يناير مقابل 49.3 في ديسمبر وأعلى من التوقعات البالغة 49.8. وارتفع مؤشر قطاع الخدمات المهيمن على الاتحاد الأوروبي إلى 50.7 مقابل 49.8 في ديسمبر، بينما تحسن أداء مؤشر القطاع الصناعي إلى 48.8 مقابل 47.8، متجاوزاً أيضا التوقعات لكنه ظل في منطقة الانكماش.
وقالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي: «لايزال يتعين على البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة بوتيرة ثابتة للوصول إلى مستويات تقييدية كافية والبقاء عند تلك المستويات طالما كان ذلك ضرورياً». وفي ظل توقعات بقيام مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي بإبطاء وتيرة زيادة سعر الفائدة إلى 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل، سيعمل «المركزي» الأوروبي الآن على ترسيخ مركزه كواحد من أكثر البنوك المركزية تشدداً، حيث تتوقع الأسواق على نطاق واسع رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع فبراير.
المملكة المتحدة
على النقيض من انتعاش النشاط التجاري في منطقة اليورو خلال يناير، أظهرت قراءات مؤشر مديري المشتريات في المملكة المتحدة انكماش اقتصادها بأعلى معدل يتم تسجيله في عامين، إذ انخفض مؤشر ستاندرد أند بورز العالمي لمديري المشتريات في المملكة المتحدة، الذي يقيس كلاً من قطاعي الخدمات والتصنيع، إلى 47.8 في يناير مقابل 49.0 في ديسمبر، فيما يعد أقل من التوقعات البالغة 48.5. وجاء الانكماش نتيجة لعمليات الإضراب التي شهدتها المملكة المتحدة، ونقص أعداد الموظفين، وخسائر الصادرات، وأزمة تكاليف المعيشة والزيادات الحادة في أسعار الفائدة، والتي أدت مجتمعة إلى ضغط النشاط الاقتصادي.
كندا
قام بنك كندا برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 4.5 في المئة، فيما يعد أعلى المستويات المسجلة منذ 15 عاماً، في الوقت الذي أشار فيه أيضاً إلى أنه قد يوقف رفع سعر الفائدة مرة أخرى في الوقت الحالي. وكان رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من الأمور المتوقعة على نطاق واسع بعد أن رفع البنك أسعار الفائدة بمقدار 425 نقطة أساس في 10 أشهر لمواجهة التضخم الذي بلغ ذروته عند مستوى 8.1 في المئة، ووصل مؤخراً إلى 6.3 في المئة في ديسمبر. إلا أن تلك الوتيرة مازالت أعلى بثلاثة أضعاف المعدل المستهدف البالغ 2 في المئة.
كما أكد تقرير سوق العمل لشهر ديسمبر الذي صدر في وقت سابق من الشهر الحالي على مخاطر ارتفاع الأجور ونمو الأسعار.
وقال تيف ماكليم محافظ بنك كندا للصحافيين «بدأنا نأخذ منعطفاً جديداً في معركتنا ضد التضخم، إلا أننا مازلنا بعيدين عن هدفنا بشأن معدلات التضخم، لكن التطورات الأخيرة عززت ثقتنا في تراجعه».
وفي تقرير السياسة النقدية الربع سنوي، أوضح البنك أن الاقتصاد سيتعثر وقد ينزلق إلى الركود خلال النصف الأول من عام 2023، مما يؤدي إلى تراجع معدل التضخم إلى نحو 3 في المئة في منتصف العام والعودة إلى مستوى 2 في المئة في عام 2024. وتتوقع الأسواق بالفعل خفض بنك كندا لسعر الفائدة في أكتوبر، وهي الخطوة التي استبعدها ماكليم، مشيراً إلى أنه نقاش سابق لأوانه.
من المقرر أن يخفض مسؤولو الاحتياطي الفدرالي «البنك المركزي الأميركي» وتيرة رفع أسعار الفائدة مرة أخرى الأسبوع المقبل وسط علامات على تباطؤ التضخم، في حين قد يظهر تقرير الوظائف يوم الجمعة المقبل طلباً ثابتاً على العمال مما يحسن فرص الهبوط الناعم لأكبر اقتصاد في العالم.
ويستعد صانعو السياسة لرفع سعر الفائدة الفدرالية القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية الأربعاء، إلى نطاق من 4.5 في المئة إلى 4.75 في المئة، للمرة الثانية على التوالي.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب سلسلة من البيانات الأخيرة التي تشير إلى نجاح حملة بنك الاحتياطي الفدرالي العنيفة لإبطاء التضخم، وفقاً لما ذكرته «بلومبرغ»، واطلعت عليه «العربية. نت».
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في فيلادلفيا، باتريك هاركر، في خطاب ألقاه في 20 الجاري: «أتوقع أن نرفع أسعار الفائدة عدة مرات أخرى هذا العام، على الرغم من أنه في رأيي، انتهت بالتأكيد أيام الزيادات البالغة 75 نقطة أساس»، مضيفاً «ستكون الزيادات بمقدار 25 نقطة أساس مناسبة في المستقبل».
وأوضح مسؤولو الاحتياطي الفدرالي أنهم يريدون أيضاً رؤية دليل على أن اختلالات العرض والطلب في سوق العمل بدأت في التحسن.
وربما تباطأ التوظيف في يناير، وفقاً لخبراء اقتصاديين استطلعت آراؤهم «بلومبرغ»، والذين توقعوا أن يضيف أرباب العمل 185000 وظيفة مقارنة بـ 223000 في ديسمبر. كما يرى الاقتصاديون أن معدل البطالة يرتفع إلى 3.6 في المئة، إلا أنه لا يزال قريباً من أدنى مستوى في 5 عقود، ويرون أن متوسط الدخل في الساعة ارتفع بنسبة 4.3 في المئة عن العام السابق، وهو تباطؤ عن الشهر السابق، وفقاً لمتوسط تقديرهم.
وسيحصل «الفدرالي» على قراءة أخرى مهمة عن التضخم يوم الثلاثاء عندما تصدر وزارة العمل مؤشر تكلفة التوظيف، وهو مقياس واسع للأجور والمزايا. ومن المقرر أيضاً صدور أرقام عن الوظائف الشاغرة لشهر ديسمبر يوم الأربعاء، إضافة إلى مسح لشهر يناير للمصنعين.
بدورهم، كتب اقتصاديو «بلومبرغ إيكونوميكس»، آنا وونغ، وإليزا وينغر، ونيراج شاه: «يواجه الفدرالي معضلة: فمن ناحية، جاءت بيانات التضخم أضعف من المتوقع، وأظهرت مؤشرات النشاط تباطؤ الزخم خلال الشهر الماضي؛ ومن ناحية أخرى، خفت الأوضاع المالية حيث يعتقد المتداولون أن بنك الاحتياطي سوف يتحول قريباً إلى خفض أسعار الفائدة. وستبرر البيانات رفع أسعار الفائدة بشكل أقل، لكن من المرجح أن يرى البنك ظروفاً مالية أسهل - بينما يظل التضخم أعلى من الهدف بشكل غير مريح - كسبب للتصرف المتشدد».
في مكان آخر، من المحتمل أن يرفع كل من «الفدرالي» والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة، في اليوم التالي لبيانات منطقة اليورو، ومن المرجح أن تظهر بيانات منطقة اليورو تباطؤاً في التضخم وركوداً في الاقتصاد.
وفي غضون ذلك، قد تكشف الدراسات الاستقصائية من الصين عن تحسن، وقد يبقي البنك المركزي البرازيلي تكاليف الاقتراض دون تغيير، وسيقوم صندوق النقد الدولي بنشر آخر توقعاته الاقتصادية العالمية.
ويترقب العالم أسبوعاً مهماً فيما يخص أسعار الفائدة، والتي سيتم مراقبتها على نحو واسع في كل من أوروبا، والولايات المتحدة، والسعودية، والبرازيل، ومصر.
وخلال العام الماضي، رفع مجلس الاحتياطي الفدرالي سعر الفائدة بمقدار 425 نقطة أساس من مستويات أقرب إلى الصفر لتتراوح حول 4.25 في المئة -4.50 في المئة، ليصل بذلك إلى أعلى المستويات المسجلة منذ أواخر عام 2007. وتقوم الأسواق المالية الآن بتسعير زيادة سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في الاجتماع المقبل للبنك المركزي المقرر عقده في الأول من فبراير. واليوم، مع تحول مجلس الاحتياطي الفدرالي لوقف تحركات رفع سعر الفائدة، اتجه «المركزي» الأوروبي وبنك اليابان بدلاً من ذلك في المضي بمسيرة تشديد السياسات النقدية.
ومن المتوقع أن يلتزم البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة بينما قد ينهي بنك اليابان حقبة السياسة النقدية التيسيرية عقب الخطوة المفاجئة التي اتخذها في ديسمبر بتثبيت عائدات السندات طويلة الأجل بالقرب من الصفر.«المركزي» الأوروبي وبنك اليابان اتجها في المضي بمسيرة تشديد السياسات النقدية
الاقتصاد يسجل نمواً قوياً
حافظ الاقتصاد الأميركي على وتيرة النمو القوي في الربع الرابع من العام، مما يعزز من موقف الاحتياطي الفدرالي للحفاظ على موقفه المتشدد لفترة أطول. وقالت وزارة التجارة في تقديرها المسبق للربع الأخير من العام، إن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بمعدل سنوي بلغت نسبته 2.9 في المئة بالربع الأخير من العام. بينما نما الاقتصاد بنسبة 3.2 في المئة في الربع الثالث من العام مقابل توقعات بأن يصل معدل النمو إلى 2.6 في المئة. وعلى مدار العام كله، مقارنة بالربع الأخير من العام السابق، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1 في المئة، بانخفاض حاد مقابل النمو بنسبة 5.7 في المئة في 2021، علماً أن تلك البيانات أولية، وسيتم تعديلها مرتين على الأقل خلال الأشهر المقبلة.
وتزامن النمو الاقتصادي القوي مع مساهمة تحسن أداء سوق العمل وتباطؤ وتيرة التضخم في التشجيع على الإنفاق رغم المخاوف من حدوث ركود. وخلال العام الماضي، تقلص الناتج المحلي الإجمالي بالنصف الأول من العام، مما أثار الحديث عن الدخول في مرحلة من الركود الاقتصادي ثم التعافي لاحقاً. وكان هذا النمط المتقلب مدفوعاً بالتحركات الكبيرة التي شهدتها التجارة والمخزونات - المكونات الأكثر تقلباً في قياس الناتج المحلي الإجمالي.
وفي الوقت الحالي، تباطأت وتيرة التعافي بعد الجائحة مقابل الوتيرة المحمومة التي شهدناها خلال 2021، إلا أن الاقتصاد الأوروبي أثبت مرونته في مواجهة الحرب الدائرة في أوروبا، والضغوط التضخمية العالمية، والسياسات المتشددة للبنك المركزي الأميركي. وبالانتقال إلى عام 2023، سيستمر اختبار المرونة في ظل مواصلة ارتفاع معدلات التضخم واتباع الاحتياطي الفدرالي سياسات نقدية متشددة.
الركود في 2023 ليس حتمياً
وعلى الصعيد الإيجابي، يرى الاقتصاديون أن الركود في عام 2023 ليس حتمياً، حيث نشهد مؤشرات دالة على انحسار التضخم حتى مع استمرار انخفاض معدلات البطالة. وقد يتيح ذلك المجال أمام مجلس الاحتياطي الفدرالي لرفع أسعار الفائدة بوتيرة أكثر بطئاً، مما يقلل من مخاطر عدم النجاح في تحقيق هبوط سلس.
تحركات الأسواق
تراجع الدولار الأميركي مقابل أقرانه في ظل تضاؤل التركيز على الاحتياطي الفدرالي باعتباره المحرك الرئيسي لأسواق العملات وتحويل المستثمرين تركيزهم إلى سياسات البنوك المركزية الرئيسية الأخرى. وحتى الآن، فقد مؤشر الدولار الأميركي 1.5 في المئة من قيمته منذ بداية العام الحالي حتى تاريخه. وساهمت التوقعات الأكثر تشدداً نسبياً من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان في تعزيز أداء كل من اليورو والين، اللذين عادا ليسجلا أقوى مستوياتهما منذ ربيع 2022.
وبالانتقال إلى وول ستريت، لاتزال الأسهم على المسار الصحيح لتحقيق أفضل أداء شهري منذ يوليو حتى مع تقليصها بعض المكاسب التي سجلتها في الأيام الأخيرة مع بداية إعلان أرباح الشركات. أما على صعيد النفط، فقد تعافت الأسعار من التراجع الحاد الذي شهدته في بداية 2023، وعادت السيولة إلى سوق العقود الآجلة. ويعزى الكثير من معنويات التفاؤل إلى تزايد الطلب الصيني الذي يتصدى للمخاوف الناجمة عن تباطؤ الاقتصاد العالمي.ارتفاع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي والإجمالي في الولايات المتحدة بأبطأ وتيرة منذ 2021
العودة إلى النمو بمعدلات متواضعة
عاد اقتصاد منطقة اليورو إلى تسجيل نمو متواضع في ديسمبر للمرة الأولى منذ يونيو، مما يعزز على الأرجح تحرك البنك المركزي الأوروبي لرفع أسعار الفائدة. وبلغت قراءة مؤشر ستاندرد أند بورز العالمي لمديري المشتريات في منطقة اليورو، والذي يتضمن نشاط قطاعي التصنيع والخدمات، 50.2 في يناير مقابل 49.3 في ديسمبر وأعلى من التوقعات البالغة 49.8. وارتفع مؤشر قطاع الخدمات المهيمن على الاتحاد الأوروبي إلى 50.7 مقابل 49.8 في ديسمبر، بينما تحسن أداء مؤشر القطاع الصناعي إلى 48.8 مقابل 47.8، متجاوزاً أيضا التوقعات لكنه ظل في منطقة الانكماش.
وقالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي: «لايزال يتعين على البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة بوتيرة ثابتة للوصول إلى مستويات تقييدية كافية والبقاء عند تلك المستويات طالما كان ذلك ضرورياً». وفي ظل توقعات بقيام مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي بإبطاء وتيرة زيادة سعر الفائدة إلى 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل، سيعمل «المركزي» الأوروبي الآن على ترسيخ مركزه كواحد من أكثر البنوك المركزية تشدداً، حيث تتوقع الأسواق على نطاق واسع رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع فبراير.
المملكة المتحدة
على النقيض من انتعاش النشاط التجاري في منطقة اليورو خلال يناير، أظهرت قراءات مؤشر مديري المشتريات في المملكة المتحدة انكماش اقتصادها بأعلى معدل يتم تسجيله في عامين، إذ انخفض مؤشر ستاندرد أند بورز العالمي لمديري المشتريات في المملكة المتحدة، الذي يقيس كلاً من قطاعي الخدمات والتصنيع، إلى 47.8 في يناير مقابل 49.0 في ديسمبر، فيما يعد أقل من التوقعات البالغة 48.5. وجاء الانكماش نتيجة لعمليات الإضراب التي شهدتها المملكة المتحدة، ونقص أعداد الموظفين، وخسائر الصادرات، وأزمة تكاليف المعيشة والزيادات الحادة في أسعار الفائدة، والتي أدت مجتمعة إلى ضغط النشاط الاقتصادي.
كندا
قام بنك كندا برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 4.5 في المئة، فيما يعد أعلى المستويات المسجلة منذ 15 عاماً، في الوقت الذي أشار فيه أيضاً إلى أنه قد يوقف رفع سعر الفائدة مرة أخرى في الوقت الحالي. وكان رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من الأمور المتوقعة على نطاق واسع بعد أن رفع البنك أسعار الفائدة بمقدار 425 نقطة أساس في 10 أشهر لمواجهة التضخم الذي بلغ ذروته عند مستوى 8.1 في المئة، ووصل مؤخراً إلى 6.3 في المئة في ديسمبر. إلا أن تلك الوتيرة مازالت أعلى بثلاثة أضعاف المعدل المستهدف البالغ 2 في المئة.
كما أكد تقرير سوق العمل لشهر ديسمبر الذي صدر في وقت سابق من الشهر الحالي على مخاطر ارتفاع الأجور ونمو الأسعار.
وقال تيف ماكليم محافظ بنك كندا للصحافيين «بدأنا نأخذ منعطفاً جديداً في معركتنا ضد التضخم، إلا أننا مازلنا بعيدين عن هدفنا بشأن معدلات التضخم، لكن التطورات الأخيرة عززت ثقتنا في تراجعه».
وفي تقرير السياسة النقدية الربع سنوي، أوضح البنك أن الاقتصاد سيتعثر وقد ينزلق إلى الركود خلال النصف الأول من عام 2023، مما يؤدي إلى تراجع معدل التضخم إلى نحو 3 في المئة في منتصف العام والعودة إلى مستوى 2 في المئة في عام 2024. وتتوقع الأسواق بالفعل خفض بنك كندا لسعر الفائدة في أكتوبر، وهي الخطوة التي استبعدها ماكليم، مشيراً إلى أنه نقاش سابق لأوانه.
«بلومبرغ»: نجاح الحملة «العنيفة» لإبطاء التضخم
صانعو السياسة يستعدون لرفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئويةمن المقرر أن يخفض مسؤولو الاحتياطي الفدرالي «البنك المركزي الأميركي» وتيرة رفع أسعار الفائدة مرة أخرى الأسبوع المقبل وسط علامات على تباطؤ التضخم، في حين قد يظهر تقرير الوظائف يوم الجمعة المقبل طلباً ثابتاً على العمال مما يحسن فرص الهبوط الناعم لأكبر اقتصاد في العالم.
ويستعد صانعو السياسة لرفع سعر الفائدة الفدرالية القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية الأربعاء، إلى نطاق من 4.5 في المئة إلى 4.75 في المئة، للمرة الثانية على التوالي.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب سلسلة من البيانات الأخيرة التي تشير إلى نجاح حملة بنك الاحتياطي الفدرالي العنيفة لإبطاء التضخم، وفقاً لما ذكرته «بلومبرغ»، واطلعت عليه «العربية. نت».
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في فيلادلفيا، باتريك هاركر، في خطاب ألقاه في 20 الجاري: «أتوقع أن نرفع أسعار الفائدة عدة مرات أخرى هذا العام، على الرغم من أنه في رأيي، انتهت بالتأكيد أيام الزيادات البالغة 75 نقطة أساس»، مضيفاً «ستكون الزيادات بمقدار 25 نقطة أساس مناسبة في المستقبل».
وأوضح مسؤولو الاحتياطي الفدرالي أنهم يريدون أيضاً رؤية دليل على أن اختلالات العرض والطلب في سوق العمل بدأت في التحسن.
وربما تباطأ التوظيف في يناير، وفقاً لخبراء اقتصاديين استطلعت آراؤهم «بلومبرغ»، والذين توقعوا أن يضيف أرباب العمل 185000 وظيفة مقارنة بـ 223000 في ديسمبر. كما يرى الاقتصاديون أن معدل البطالة يرتفع إلى 3.6 في المئة، إلا أنه لا يزال قريباً من أدنى مستوى في 5 عقود، ويرون أن متوسط الدخل في الساعة ارتفع بنسبة 4.3 في المئة عن العام السابق، وهو تباطؤ عن الشهر السابق، وفقاً لمتوسط تقديرهم.
وسيحصل «الفدرالي» على قراءة أخرى مهمة عن التضخم يوم الثلاثاء عندما تصدر وزارة العمل مؤشر تكلفة التوظيف، وهو مقياس واسع للأجور والمزايا. ومن المقرر أيضاً صدور أرقام عن الوظائف الشاغرة لشهر ديسمبر يوم الأربعاء، إضافة إلى مسح لشهر يناير للمصنعين.
بدورهم، كتب اقتصاديو «بلومبرغ إيكونوميكس»، آنا وونغ، وإليزا وينغر، ونيراج شاه: «يواجه الفدرالي معضلة: فمن ناحية، جاءت بيانات التضخم أضعف من المتوقع، وأظهرت مؤشرات النشاط تباطؤ الزخم خلال الشهر الماضي؛ ومن ناحية أخرى، خفت الأوضاع المالية حيث يعتقد المتداولون أن بنك الاحتياطي سوف يتحول قريباً إلى خفض أسعار الفائدة. وستبرر البيانات رفع أسعار الفائدة بشكل أقل، لكن من المرجح أن يرى البنك ظروفاً مالية أسهل - بينما يظل التضخم أعلى من الهدف بشكل غير مريح - كسبب للتصرف المتشدد».
في مكان آخر، من المحتمل أن يرفع كل من «الفدرالي» والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة، في اليوم التالي لبيانات منطقة اليورو، ومن المرجح أن تظهر بيانات منطقة اليورو تباطؤاً في التضخم وركوداً في الاقتصاد.
وفي غضون ذلك، قد تكشف الدراسات الاستقصائية من الصين عن تحسن، وقد يبقي البنك المركزي البرازيلي تكاليف الاقتراض دون تغيير، وسيقوم صندوق النقد الدولي بنشر آخر توقعاته الاقتصادية العالمية.
ويترقب العالم أسبوعاً مهماً فيما يخص أسعار الفائدة، والتي سيتم مراقبتها على نحو واسع في كل من أوروبا، والولايات المتحدة، والسعودية، والبرازيل، ومصر.