في حين كانت الأنظار تتجه إلى التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين بعد مجزرة جنين التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية وعمليتي حي النبي يعقوب وسلوان، اللتين أوقعتا أكبر عدد من القتلى الإسرائيليين منذ 20 عاماً، تعرّضت إيران ليل السبت ـ الأحد لهجوم جوي واسع استُخدِمت فيه المسيّرات، واستهدف موقعين على الأقل في أصفهان وتبريز، هما عبارة عن مصنعين عسكريين لإنتاج قطع إلكترونية خاصة بتشغيل مقاتلة SU35 الروسية الحديثة، التي سلّمت موسكو بعضاً منها لطهران، وتُستخدَم كذلك في صناعة المسيّرات الإيرانية التي تساعد روسيا في أوكرانيا.
وفي تأكيد لانفراد «الجريدة» المنشور على صدر صفحتها الأولى في 16 الجاري بعنوان: «نتنياهو المأزوم يدرس ضرب إيران»، علمت «الجريدة» من مصدر رفيع في القدس، أن إسرائيل تقف خلف الهجوم الذي استخدمت فيه طرازاً جديداً من المسيّرات غير المعلن عنها سابقاً، والتي تُستخدَم للمرة الأولى.
في المقابل، أكدت وكالة «تاس» الروسية، أن سلاح الجو الأميركي شارك في الهجوم، وربطت تقارير إسرائيلية بين الهجوم ووجود وليام بيرنز مدير الـ CIA في إسرائيل في زيارة غير معلنة.
وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قالت، إن العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران لم تعد مطروحة الآن، وعبّرت إلى جانب دول أوروبية أخرى عن قلقها من تزويد طهران موسكو بالمسيّرات التي تُستخدَم في أوكرانيا.
وقال مستشار الرئيس الأوكراني، مخايلو بودولياك، إن الهجوم الأخير على إيران له صلة مباشرة بالحرب في بلاده.
وكتب بودولياك في تغريدة أن «منطق الحرب فتاك ولا يرحم، يحاسب المسؤول والمتواطئ بحزم، ليلة متفجرة في إيران... إنتاج مسيرات وصواريخ ومصاف نفطية... حذرناكم».
وحسب المصدر، فإن المسيّرات الحديثة المهاجمة انطلقت من مكان داخل الأراضي الإيرانية، وأن مسيّرات أخرى من طراز «شوفال» هاجمت عدة نقاط أخرى في البلاد، بينها موقع قرب ميناء بندر عباس؛ للإلهاء والتمويه، ما أدى إلى تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية فوق العاصمة ومدن عدة.
وأكد المصدر أن الهجوم حقق أهدافه كاملة، إذ تم تدمير الأهداف وإخراجها من الخدمة. وكانت وزارة الدفاع الإيرانية أقرت، بسرعة على غير العادة، بوقوع الهجوم التي قالت إنه استهدف أحد المجمّعات العسكريّة التابعة لها، غير أنها وصفت الغارة بـ «الفاشلة»، لافتة إلى أن «الدفاعات الجوية للمجمع أسقطت إحدى المسيّرات، بينما حوصِرت مسيّرتان وانفجرتا». وشددت على أنّ الهجوم «لم يتسبّب في أيّ تعطيل لعمل المجمّع» ولم يؤد إلى وقوع إصابات، بل أحدث «أضراراً طفيفة في سقف» أحد المباني فقط.
وقال مصدر في وزارة الدفاع الإيرانية لـ «الجريدة»، إن الدفاعات الجوية نجحت في التصدي بشكل كامل لهجوم على مصنع في منطقة مدينة سليمي بالقرب من مدينة تبريز بمحافظة أذربيجان الإيرانية، يتم فيه إنتاج وتخزين الوقود الجامد الخاص بالصواريخ والطائرات دون طيار الإيرانية، مضيفاً أن إحدى الطائرات سقطت على خزان للوقود ما أدى إلى اندلاع حريق هائل.
وأضاف أن الدفاعات الإيرانية استطاعت إصابة طائرتين من تلك التي هاجمت مصنع أصفهان، وأن طائرة فقط انفجرت على سطح إحدى صالات المجمع، في حين عادت طائرتان أخريان أدراجهما.
وحسب المصدر، فإن المسيرات المستخدمة صغيرة جداً يتم عادة استخدامها لدواعي التسلية أو لتصوير الأفلام، وهي غير قادرة على الطيران بضعة كيلومترات، ما يؤكد أن منفذي الهجوم كانوا عملاء محليين أو أجانب داخل الأراضي الإيرانية.
وكانت «الجريدة» أشارت في تقريرها إلى أن نتنياهو دعا رؤساء الأجهزة الأمنية إلى اجتماع سري لبحث طبيعة وحجم الهجوم ومدى جاهزية الجبهة الداخلية. وقال المصدر لـ «الجريدة»، إن الضربات تقررت في ذلك الاجتماع، قبل التصعيد غير المسبوق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي ابتدأ باقتحام إسرائيلي وحشي لمخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة، الخميس الماضي، وقتل خلاله 9 فلسطينيين معظمهم ينتمون إلى حركة «الجهاد الإسلامي» المرتبطة بطهران.
وفي تعليق لافت، اعتبر أنور قرقاش مستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد أن «التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة في أكثر من موقع، ومنها التفجير الذي استهدف أصفهان، ليس من مصلحة المنطقة ومستقبلها»، مضيفاً أنه «بالرغم من أن مشاكل المنطقة معقدة ومركبة فإنه لا بديل عن الحوار والحلول السياسية لتجنب التصعيد، والوصول إلى حلول تسهم في تخفيف التوترات، وتحفظ استقرار الإقليم وأمنه».
وكان وزير خارجية قطر السابق محمد بن جاسم، حذر منتصف الشهر الجاري من ضربة إسرائيلية على إيران، كما عقدت قمة تشاورية في أبوظبي تجمع قادة الإمارات وقطر ومصر والبحرين والأردن، تردد أن الملف الإيراني كان مطروحاً على طاولتها، وزار وزير خارجية قطر محمد عبدالرحمن أمس طهران للتهدئة وبحث التصعيد، والتقى نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان.