لا تزال تفاصيل الضربة الجوية التي استهدفت موقعاً عسكرياً إيرانياً في مدينة أصفهان وسط إيران تتكشف، وفي حين أثار قصف قوافل أسلحة إيرانية فجر أمس على الحدود العراقية ــ السورية مزيداً من التوتر، توعدت إيران بالرد على إسرائيل، وذلك على لسان مسؤول في تصريحات لقناة الجزيرة القطرية.
وبعد أن نفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أي مشاركة لقواتها في عمليات عسكرية داخل إيران، وسط استمرار التلميحات الإسرائيلية بوجود تنسيق أميركي ــ إسرائيلي، بشأن الضربة، كشف مصدر رفيع المستوى في وزارة الدفاع الإيرانية أن الضربة الجوية في أصفهان وقصفاً آخر في تبريز، كانا يستهدفان مواقع تستخدمها طهران في تخزين أسلحة أميركية تمكنت القوات الروسية من غنمها خلال المعارك في أوكرانيا، بهدف نسخ التكنولوجيا الأميركية وإنتاج أسلحة مشابهة لها عبر تقنية الهندسة العكسية.
وقال المصدر إن طهران ترجح أن يكون هدف إسرائيل والأميركيين تدمير هذه الأسلحة، مضيفاً أن معظم هذه الأسلحة تم نقلها إلى أماكن أخرى قبل أيام قليلة من الضربة.
وذكر أن الموقع المستهدف في أصفهان كان مسؤولاً أيضاً عن إنتاج قطع إلكترونية تستخدم في الصواريخ البالستية والمسيرات الإيرانية التي ترسل إلى أوكرانيا، إضافة إلى تجميع قطع خاصة بمقاتلات SU35 الروسية التي تسلمت إيران من موسكو عدداً منها.
وأفاد بأن الأجهزة الأمنية الإيرانية استطاعت اعتقال شخصين من الذين قاموا بتسيير الطائرات التي نفذت الهجوم قرب الحدود العراقية، وأحد المصورين الذي كان مسؤولاً عن تصوير تفاصيل الضربة، وهو يعمل لمصلحة تلفزيون إيران إنترناشيونال المعارض وقد تم توقيفه في منزله بأصفهان.
وقال المصدر، إنه بحسب اعترافات أولية، فإن المنفذين تدربوا لأسبوعين فقط على العملية، وهو ما يشير إلى أن قرار التنفيذ تم اتخاذه على عجل، مضيفاً أنهم أقروا بتسلم المسيرات والمتفجرات في «منزل آمن» داخل إيران.
وكان مصدر إيراني أكد لـ «الجريدة» أمس الأول أن المسيرات انطلقت من داخل إيران ومن مكان قريب من المواقع المستهدفة.
وأشار المصدر إلى أن الموقوفين أكدوا أن بنك العمليات كان أكبر بكثير من القاعدتين في أصفهان وتبريز، وأن الأجهزة الأمنية الإيرانية تتحسب لاحتمال أن تكون فرقاً من المنفذين لا تزال موجودة داخل إيران.
وأوضح أن الجديد في الضربة أنه كان يرافقها مصورون جاهزون لتوثيق وتصوير العمليات وكانوا جميعاً مجهزين بهواتف نقالة دولية مزودة بإنترنت عبر شبكة ستارلينك لتمكنهم من إرسال الفيديوهات والصور بشكل سريع خارج الرقابة الإيرانية.
إلى ذلك، وبينما قالت روسيا إنها لا تزال تقيّم الهجوم، محذرة من تصعيد منفلت وتبعات غير متوقعة على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، استدعت الخارجية الإيرانية أمس القائم بالأعمال الأوكراني للاستفسار عن تصريحات مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي ألمح إلى تورط كييف في الضربة.
ووصفت الخارجية تصريحات مستشار زيلينسكي بالعدائية، في وقت حذرت وكالة نورنيوز التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني من عواقب وخيمة في حال لم توضح كييف موقفها من تلك التلميحات.
وفي تفاصيل الخبر:
في وقت تشتعل «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران، التي هددت، أمس، بالرد على قصف مواقع عسكرية في مدينة أصفهان بطائرات مسيرة بدون طيار «درون»، استهدفت طائرات مجهولة، ليل الأحد الاثنين، 6 شاحنات تبريد، تنقل أسلحة إيرانية شرق سورية، فور دخولها من الحدود العراقية إلى ريف البوكمال.
وأشار المرصد السوري المعارض إلى أن الضربات دمرت الشاحنات وسيارة رباعية الدفع، مما أدى إلى مقتل 3 بينهم قيادي في مجموعة مقاتلة موالية لطهران، وجاءت الضربة غداة استهداف مسيرات لقافلة شاحنات أخرى في المنطقة ذاتها، ما أوقع 7 قتلى من القوات الموالية لإيران.
وذكرت مصادر أن «حزب الله» العراقي أدخل الشاحنات عبر معبر غير رسمي، في محاولة لتفادي قصفها، في ظل تحركات إيرانية مكثفة لإمداد الفصائل الموالية لطهران بأسلحة متطورة، استعدادا لتصعيد مرتقب مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة، بزعامة بنيامين نتنياهو، التي وضعت ملف الجمهورية الإسلامية في مقدمة أولوياتها.
وفي وقت التزمت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والمستوى السياسي الصمت حيال التقارير التي أشارت إلى مسؤولية الدولة العبرية عن هجوم أصفهان، واستهداف قوافل السلاح، أكدت تصريحات لرئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي سابقا يسرائيل زيف، ما كشفه مصدر إيراني مطلع، ل«الجريدة»، في عددها أمس، عن استهداف مصنع لتجميع المسيرات الإيرانية، التي تزود بها طهران موسكو لاستخدامها في أوكرانيا، إضافة إلى قاعدة لتجميع مقاتلات «سو 35» الروسية.
وألمح القيادي الإسرائيلي إلى أن ضربة أصفهان، التي تعد الأولى داخل إيران في عهد نتنياهو، تؤشر إلى «أننا أمام تغيير على مستوى استراتيجي لتحالف عسكري عملياتي وليس مجرد تحالف عام مع الولايات المتحدة»، مستبعدا القيام بمثل هذه الضربة دون إبلاغ الأميركيين والتنسيق معهم، بما يتجاوز تبادل المعلومات، خاصة بعد المناورات المشتركة الضخمة الرامية ل«احتواء الخطر النووي الإيراني». وجاء ذلك رغم نفي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» باتريك رايدر مشاركة أي قوات أميركية في هجمات أصفهان، وتأكيد مسؤول أميركي آخر ل«رويترز» أن إسرائيل ضالعة في الضربة.
ووسط مخاوف من انتقال شظايا المواجهة المحتدمة بين روسيا وأوكرانيا إلى المنطقة التي تشهد توترا متصاعدا على خلفية انهيار الجهود الدبلوماسية الرامية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، استدعت سلطات طهران القائم بالأعمال الأوكراني، بسبب تصريحات صادرة عن ميخائيل بودولياك، مستشار الرئيس فولوديمير زيلينسكي، «تلمح إلى مشاركة كييف في ضربة أصفهان».
واعتبر موقع مجلس الأمن القومي الإيراني أن عدم إعلان كييف موقفا واضحا تجاه تصريح بودولياك، الذي يشير إلى دخول أوكرانيا في شراكة مع إسرائيل تهدد الأمن القومي الإيراني، ستكون له تبعات ثقيلة. في موازاة ذلك، أدان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشدة «الهجوم الاستفزازي»، محذرا من أن مثل هذه الهجمات قد تؤدي إلى «تصعيد خارج عن السيطرة»، واستنكر الكرملين اعتداء اصفهان قائلا إنه يعكف على تحليل ما حدث.