زمن عبدالناصر وأم كلثوم في البحرين والكويت
لأننا نعيش حالة من اليأس والإحباط وأياماً من السوداء والظلام أحياناً كثيرة، لذلك ترانا نعود إلى الأيام الخوالي، أيام الزمن الجميل لشعورنا أن ما فات أفضل مما نحياه اليوم، وفي ظل الأجواء الكئيبة التي تلفح وجوهنا ومسامعنا صباح كل يوم ومساءه، عدت إلى الخمسينيات وما بعدها من أزمان وأنا أتصفح وأطالع كتابين للباحث ومقدم البرامج البحريني إبراهيم راشد الدوسري وله باع طويل في عالم التلحين والطرب والفن التشكيلي والموسيقى.
الكتاب الأول عن أم كلثوم وعلاقتها بالبحرين ودول الخليج العربي، والثاني عن البحرين في زمن عبدالناصر، فرغم كل الكوارث التي حلت بمنطقتنا لايزال صوت أم كلثوم يتغلغل في أعماقنا، وهي حاضرة في كل بيت خليجي وعربي، وشعب البحرين تعرف على «صوت الست» لأول مرة عام 1934 يوم افتتاح الإذاعة المصرية، وكان يحرص على سماع حفلاتها الغنائية الشهيرة واقتناء أسطواناتها.
أول فيلم ظهرت فيه أم كلثوم هو «وداد» وعرض في البحرين عام 1936 وكذلك فيلم «فاطمة» عام 1947، ومن أشهر أغانيها في السينما أغنية «عن العشاق سألوني» و«غني لي شوي شوي».
ساهمت أم كلثوم بأغانيها فأحدثت نقلة نوعية في الطرب العربي وتعرف الملحنون في الخليج على ألحان محمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب، واكتشفوا الأوزان الإيقاعية المتنوعة، وكان من شأن ذلك تكوين الفرق الموسيقية الشرقية عام 1956، وفرقة أسرة هواة الفن الموسيقية بالمنامة، وهي أول كيان موسيقي في البحرين بقيادة أحمد الفردان، ثم الأستاذ جاسم العمران وهناك فرق أخرى تأسست في المحرّق والمنامة.
أما في الكويت فقد برزت الفرقة الموسيقية الخاصة بالإذاعة أواخر الخمسينيات، ومن الموسيقيين اللامعين الذين عملوا هنا كان حمدي الحريري، وقد زارت «الست» الكويت عام 1963 للمرة الأولى وبدعوة من الجمعية الثقافية النسائية لإحياء حفلتين واستقبلها الأمير الشيخ صباح السالم الصباح، وأحيت الحفل على مسرح سينما الأندلس، وغنت «حسيبك للزمن» و«أنساك»، والزيارة الثانية كانت عام 1968 بعد نكسة حرب 5 حزيران (يونيو) 1967، وخصص ريع حفلاتها لدعم المجهود الحربي، وغنت للكويت «يا دارنا يا دار يا منية الأحرار» وسجلتها لإذاعة الكويت عام 1964 وأنشودة «أرض الجدود» عام 1966، والأغنيتان من كلمات الشاعر أحمد العدواني.
يذكر المؤلف أن الفنانة البحرينية نجمة عبدالله صدحت بأغاني أم كلثوم، وسارت على خطاها ونالت لقب كوكب الخليج، ويسجل الأديب عبدالقادر عقيل ذكرياته وهو في سن الشباب كيف قام بأداء أغنية «أنت عمري» أمام الطلبة والأساتذة عام 1964.
تسليط الضوء على «ارتباط شعب البحرين والشعوب الخليجية» بكوكب الشرق عبارة عن رسالة وفاء وحب من كاتب بحريني متمرس، وهو ما كرره الدوسري في كتابه الثاني عن جمال عبدالناصر وتأثيره في البحرين طيلة فترة حكمه (1952-1970) وتجلت تلك العلاقة في الخمسينيات من خلال «هيئة الاتحاد الوطني» ودعم عبدالناصر للحراك السياسي لها ومطالبتها بالاستقلال وهيمنة الاستعمار البريطاني.
تأثرت البحرين بالمد الناصري والعروبي وشكلت «الملاذ الآمن» للشباب الخليجيين، وإرسال البعثات التعليمية في مصر واستقدام المعلمين منها، وأيضا حضور الصحافة المصرية وتوزيعها في عواصم الخليج العربي فضلاً عن دور إذاعة صوت العرب ونقلها لخطابات عبدالناصر وسعيه إلى حصول البحرين على استقلالها عام 1971.
الملاحظة التي أوردها الكاتب أن دور السينما في البحرين انتشرت في زمن جمال عبدالناصر وتم تأسيس شركة البحرين للسينما وتوزيع الأفلام عام 1968، وفي عهده تم إنتاج عدد من الأفلام ذات الصلة وعرضت على شاشات السينما أفلام مصرية منها «جميلة بو حيرد» و«يا قلبي» و«بين القصرين».
كان زمن عبدالناصر وأم كلثوم عامراً بالأحداث والتطورات السياسية والفنية وغيرها من المجالات، لا سيما امتداداته في منطقة الخليج العربي، وذاك الزمن أنتج أجيالاً وقيادات وطنية أخذت بالنهج الناصري والأفكار القومية التي عبرت عن نفسها بأشكال ونماذج مختلفة.