يُنظر للزمن على أنه يمضي أبدياً إلى الأمام عند الثقافات الغربية وعند الديانات الإبراهيمية (اليهودية والمسيحية والإسلام)، الزمن هنا «لينيير» مثل النهر الذي يجري من المنبع حتى المصب، بينما عند أهل الثقافة الشرقية، مثل الهندوسية والبوذية، الزمن دائري فيكرّر نفسه دائماً، الغيوم تتحول إلى مطر ثم إلى نهر، والأخير يصب في البحر ثم بخار يرتفع ليعود غيماً ويصبح نهراً، وهكذا يكون الزمن دائرياً «سايكلل»، ليكرر نفسه بين كل فترة وأخرى.
ويفسر البعض رؤية الفيلسوف الألماني نيتشه للزمن على أنه دائري مثل فلسفة الثقافات الشرقية، وهي تنظر إلى الوجود برؤية متشائمة، فالحياة عندهم معاناة دائمة، وعلى الإنسان أن يتقبّلها ويطوّع ذاته من الداخل ليتواءم معها، وذلك من خلال التأمل «ميديتيشن» وممارسة اليوجا و«الزن» حتى تصل إلى مرحلة «النرفانا»، وهي الخلاص الروحي والتسامي عن المحيط المادي.
كل ذلك كان بتفسيرات إشكالية لا تنتهي بحقيقة قاطعة، وإن كان أينشتاين برؤية فيزيائية قرر أن للزمان - المكان بداية ونهاية.
لدينا في الكويت نظرية ثالثة للزمن، فهو ليس سهماً يسير للأمام، وليس دائرياً، وإنما هو سهم متذبذب للحركة، يقف ثم يتراجع للخلف، الزمن في النظرية الكويتية عنوانه «خلفاً در» أو بلهجة عامية هو «على طمام المرحوم».
خذوا مثالاً يتكرر دائماً ناحية التراجع، في موضوع الفساد، فالدولة تراجعت عام 2022 من المركز ال 73 إلى ال 77، وهي في ذيل الدول الخليجية، رغم أن السلطة خلقت لجنة «نزاهة» برواتب استثنائية للعاملين فيها، ولدينا مجلس نيابي (ناقص الدسم)، ولدينا حكومة جديدة مستقيلة، ولكنها ستسيّر العاجل من الأمور، ولا نعرف مَن يكون هذا المخلوق المسمّى ب «العاجل من الأمور».
ورغم ما قُدّم من إصلاحات إنشائية كلامية ممتدة، رافقها تألّق إعلامي عريض لكبار المسؤولين وهم يديرون أمور الدولة ويسهرون على أمن وراحة المواطن بكل بخاصة، ورغم العطايا والدراسات التي تعقبها دراسات ثم لجان ثم دراسات ثم لجان، سيمضي سهم التراجع في طريقه المألوف، فقد زاد عجز الميزانية في عهد حكومة الإصلاح المستقيلة، لتصل إلى أكبر رقم في تاريخ الدولة، وفيما بعد وفيما بعد وفيما بعد... دون نهاية ولا شيء بعد ذلك.. رغم كل ما سبق، فالزمن الكويتي متحجّر أو يتراجع للخلف.
لا لوم على الحكومة الراحلة ولا المجلس الذي سيرحل، فهكذا حُكم الزمان وغدر الأيام... ومع كل خطوة متراجعة نردد بصوت جماهيري حماسي مدوٍّ في أبعاد الزمان - المكان: «هم أبخص».