أولاً وأخيراً: المربع الأول
لم تدم فرحة الكويتيين وتفاؤلهم بمرحلة سياسية جديدة طويلاً، حيث عاد الخلاف والتأزيم بين مجلس الأمة والحكومة ليتصدر المشهد السياسي مجدداً على وقع تباين الآراء بين المجلسين، والإصرار على مناقشة ملفات أبرزها التقرير المالي وشراء المديونيات واستجواب الوزراء، ونتيجة لذلك تقدمت الحكومة باستقالتها وعدنا إلى المربع الأول، وإلى حكومات تصريف الأعمال التي يكون فيها الوزراء غير قادرين على اتخاذ القرارات، ومن ثم تتعطل مصالح البلاد والعباد بسبب هذا العناد والكيد السياسي بين الوزراء ونواب مجلس الأمة، ويستمر الوطن والمواطن في دفع فاتورة هذا الصراع والمهاترات.
وفي الحقيقة إن ما يحدث في الكويت خلال العشرين عاماً الأخيرة التي تم خلالها تغيير 21 حكومة و7 مجالس تشريعية يعكس هشاشة الاستقرار السياسي، ويؤثر على رؤية التنمية والإصلاح، فرغم أن القوانين التي يطالب بإقرارها عدد من النواب قوانين شعبية فإنه يمكن تأجيلها وطرحها للنقاش في اللجان البرلمانية المتخصصة للوصول إلى حلول وسطية ترضي الجميع، ولكن هناك إصرار على طرحها والتصعيد مهما كانت النتائج، في المقابل فإن الحكومات المتعاقبة أصبحت تفضل و«تستسهل» الاستقالة عن المواجهة وتقديم الحلول وتفنيد الاستجوابات، ونتيجة لهذا التأزيم المستمر تراجعت الكويت إلى الوراء وغابت خطط التنمية والإصلاح الحقيقي.
ووسط الشائعات التي تدور الآن حول احتمالية تشكيل حكومة جديدة أو حل مجلس الأمة أو تعليق العمل به يجب أن يكون هناك تدخل للحكماء، وأن يتم بعث رسائل مطمئنة للكويتيين على مستقبل بلادهم وأبنائهم وأن يتم طرح حلول جذرية لما يحدث في الساحة السياسية، لا مجرد مسكنات وحلول وقتية والاستماع إلى آراء من يطالبون بتعديل الدستور والنظام السياسي والتشريعي لدعم الاستقرار والتوافق، فالدستور ليس مقدساً ويمكن تعديله ليواكب العصر ويحل المشاكل العالقة، ولدينا دول كثيرة عدلت دساتيرها خلال السنوات الماضية، والدستور الأميركي على سبيل المثال تم تعديله أكثر من 25 مرة، فالتعديل والتطوير مطلوب طالما كان الهدف منه التوافق والنهوض والتنمية.
نحن نفتخر بتجربة الكويت الديموقراطية المتجذرة ولكن الممارسة الطويلة خلال العقود الماضية أثبتت أنها تحتاج إلى تطوير وإصلاح للمنظومة السياسية والتشريعية، فالنزاعات المزمنة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أخرت التنمية ودفعت بمؤسسات الدولة إلى معارك سياسية عقيمة، ولا تزال الكويت رغم ثروتها الطبيعية والمالية تواجه عجزاً في إرساء الدولة الحديثة التي يتطلع لها الشباب الكويتيون وأجيال المستقبل بشكل خاص، فبسبب جمود التغيير والتطوير بقيت رؤية المستقبل ضبابية، وأثرت التغييرات الكثيرة في الحكومات ومجالس الأمة في تعطيل التنمية، والآن باتت الحاجة ملحة لإصلاح حقيقي وإلى تحديث الكويت لتواكب المتغيرات ويكون لديها القدرة على التعاطي مع التحديات، والله ثم الوطن من وراء القصد والسبيل.