أقامت دار الآثار الإسلامية ضمن موسمها الثقافي ال27 أمسية فنية ثقافية استثنائية بعنوان «ما لا يطلبه المستمعون» بمركز اليرموك الثقافي، أحياها فيصل خاجة بمشاركة الفرقة الموسيقية، وحضور جماهيري كبير أبحرت بهم الأغاني في رحلة إلى الزمن الجميل، وجاء عنوان الأمسية متلائما مع المحتوى الثريّ الذي قدّمه خاجة، حيث عزف ألواناً من الأغنيات الطربية تفاعل معها الجمهور بفرح ومتعة خالصتين.

في البداية، شكر خاجة دار الآثار الإسلامية، وأشاد بدورها قائلا: «كلمة شكر مستحقة لدار الآثار الإسلامية على استمرارها في دعم الفن والجمال والثقافة في أشكال متنوعة بجمهور ومشاركين مختلفين. ونحن منذ أيام عملنا على قدم وساق بالتجهيز للحفل، ورأينا الأنشطة الأخرى للدار، التي امتازت بالنشاط والحركة، فالدار تعتبر منارة، وأتمنى أن يستمر عطاؤها».

Ad

وذكر أن «مشاركاته مع الدار بدأت عام 2008، وهذه المشاركة لها شعور مختلف لقدومها بعد جائحة كورونا، وهي الفترة التي فقدنا بها فنانين كبارا كنا نتشارك معهم تقديم الأمسيات في هذا المسرح»، مستذكراً منهم محمد الرويشد، ود. ألفريد جميل، وسلمان زيمان، وسعد محمد حسن، ومقدماً هذا العمل امتناناً لذكراهم الطيبة التي تحلّق في الذاكرة وفي الدار.

عنوان مستفز

وتابع خاجة كلمته متطرقا إلى سبب اختياره عنوان الأمسية، ومستذكرا أحد المواقف، وقال «العنوان مستفز عند البعض، ومثير للغرابة عن البعض الآخر، ما لا يطلبه المستمعون هي ثيمة تكررت كثيرا بأشكال مختلفة في الموسيقى أو في مجالات أخرى. وإحدى القصص الشهيرة وجود برنامج إذاعي مصري لمذيعة شهيرة في الخمسينيات، هي سامية صادق، وكانت تذيع برنامجا بعنوان ما يطلبه المستمعون، وفي أحد الأيام تذمّر محمد عبدالمطلب من أن أغانيه الجديدة لا تُطلب، وكان يشكو من ذلك، على الرغم من أن أغانيه تستحق أن تبثّ، وطلب من المذيعة سامية صادق أن تضع له فقرة بعنوان ما لا يطلبه المستمعون، فكانت فقرة في نهاية البرنامج، وبثت له أغنية بعنوان السبت فات والاحد فات وبعد بكره يوم التلات، البعض يعرفها والبعض الآخر لا يعرفها، ولفتت إلى أن هناك سببا آخر يجعلها غير جماهيرية أنها تختص بيوم الأحد، وفق كلماتها، في حين كان بثّ البرنامج في يوم آخر بالأسبوع، ومع بث هذه الأغنية غير الجماهيرية في تلك الفقرة المستحدثة أصبحت جماهيرية!

برنامج الأمسية

وبيّن خاجة أن الأمسية احتوت على 6 أغانٍ، قائلا: «انتقينا 6 أغان، 3 من الكويت و3 من مصر، بتفاوت جماهيرية تلك الأعمال، بعضها مسموع ومحبذ، وأخرى جديدة على الأسماع، وتميّزت الأمسية عن غيرها من الأمسيات بأن خاجة أشار باختصار قبل تقديمه إلى أن مقطوعة سبب اختياره تلك الأغنية وغنائها. واستهل أولى أغانيه قائلا: «سنبدأ بدور لكوكب الشرق أم كلثوم يحمل عنوان روحي وروحك في امتزاج، من كلمات حسين والي، وألحان داوود حسني».

ويشار إلى أن أم كلثوم غنّت 297 أغنية، وهناك أغانٍ لم تأخذ نصيبها من الشهرة، وتطرّق خاجة إلى صناعة الأغنية، وقال: «غير أنها تعتمد على المطرب، لكنّ الملحن له دور رئيسي في هذه الصناعة، واللحن كان لداوود حسني، وكان هذا الدور هو امتداد أخير أو صدى للقرن التاسع عشر، فكانت هذه الأغنية آخر محاولات لتطوير الدور، وهو أحد قوالب الأغنية العربية، وحسني من مواليد 1860 ويعد من أوائل المطربين الذين قاموا بتسجيل الأسطوانات».

وأوضح خاجة أن إحدى مميزات الدور القديم هي الترديد والآهات ما بين المغني والفرقة المصاحبة.

«يا حبيبي هل جفاك النوم»

ومن ثم انتقل خاجة وغنّى من روائع الفنان عوض الدوخي أغنية «يا حبيبي هل جفاك النوم مثلي؟»، من ألحان محمد جواد أموري، لافتاً إلى غموض هوية الشاعر بالرغم من أن الأغنية تعتبر معاصرة، إذ تم تقديمها عام 1977، ومبينا أنها نسبت ل 4 شعراء مختلفين، ولا يمكن التحقق من الرواية الصحيحة بهذا الشأن.

يا حبيب الروح

وتابع خاجة: الأمسية مع استحسان الحضور بالمحتوى الرائع ليقول «أغنية يا حبيب الروح، دائما كانت تشكّل لي لغزاً، ذلك لأنها أغنية غير مسموعة سمعتها مرة بتسجيل الفنان رياض السنباطي، لكن على العود، ودائما كان ينتابني تساؤل: ما هو لغز تلك الأغنية؟، لأنها أشبه ب «الكروكي»، فهي موجودة على الورق كتسجيل على آلة العود، ولكن مستوى الإتقان فيها يصل بها إلى درجة رفيعة من النضج الفني، وإن لم يتم تنفيذها، وبحثت عن تلك الأغنية التي كنت أعتقد بتصميمها لأم كلثوم، وبالفعل توصلت إلى ما يثبت ذلك الاعتقاد بأن رياض قام بتسجيلها بصوته ليقدّمها لأم كلثوم، لكنّ رحيلها عام 1975 حال دون ذلك، ليقوم بعدها رياض بتقديمها لمطربة أخرى، هي سعاد محمد، بحسب إفادتها في إحدى المقابلات التلفزيونية النادرة، ولكن تعطّل تنفيذها ثانية لظروف رحيل السنباطي عام 1981، كاشفاً عن تركيبة الأغنية المقاربة لتركيبة الأطلال، إذ يجمعهما نفس الشاعر، وهو إبراهيم ناجي، وبنفس مضامين الخيال الشعري التابع لمدرسة أبولّو الشعرية الرومانسية العربية التي تحررت من قيود الشعر العربي العمودي والتقليدي.

وشكر خاجة كل أعضاء الفرقة المصاحبة على جهودهم في تقديم هذه الأغنية، مؤكداً استحقاقها للاستماع والتمعّن في جمالياتها، ومبيناً أنها أول مرة يتم فيها تقوم فيها فرقة موسيقية بتقديم العمل للجمهور بشكل كامل.

الفن السامري

وحلّق خاجة بالحضور إلى فضاءات الطرب الكويتي الأصيل والجمال على أجنحة آلة العود، منتقلاً إلى الفن السامري، ومقدّماً أغنية «ملّيت من طرد الهوى»، من أشعار عبدالله الحبيتر وألحان عبدالعزيز العسكر، ويتبعها بأغنية أخرى للفنان المصري كارم محمود، وهي «مشغول»، لافتاً إلى امتلاك كارم موهبة التلحين، إلّا أن الأغنية التي اختارها عائدة لملحن آخر، وهو أحمد صدقي وهو ملحن ونحّات مشهور، كاشفاً عن امتلاك أحد الحضور عود صدقي الشخصي، وهو الصديق الفنّان د. أحمد الصالحي.

بوخالد

وكان ختام الأمسية بتقديم أغنية كويتية جميلة للفنان عبدالكريم عبدالقادر، وهي «ليل السهارى» من كلمات الشيخ خليفة العبدالله، وألحان عبدالرحمن البعيجان، لافتاً الانتباه إلى احتواء الأغنية على توليفة تناغمية جميلة بين النمطين المصري والكويتي.