الله يذكُر تلك الأيام الجميلة بالخير، فمنذ ما يربو على عشر سنوات، كان كلما انفتح الملف الرياضي قفز السيد حسن جوهر ملوّحاً بأسئلته وتعديلاته لقانون غرفة التجارة، ولم ينغلق الملف الرياضي ولم يتغير شيء بقانون الغرفة حتى اليوم، ولم يتبقّ إلا حسن جوهر بعد التحديث والقصف العشوائي بيد مَن لا يجيد البناء، فقد أعجب «موضوع» الغرفة البعض بمعزل عن معرفة وفهم دوافع طرحه في تلك الفترة، سواء كانوا من البسطاء، أو المفلسين ومدمني الإثارة ومحاربة الأعداء الوهميين ونظريات المؤامرة، ومعهم ضحايا الملف الرياضي أو جميع من سبق تحت مظلة شيخ واحد يتلاعب بهم عند اللزوم.
مازال هناك مَن يخلط بين التاجر كفرد أو مؤسسة، والغرفة ككيان يمثّل التجار ويدافع عن مصالحهم، أو من يحاول تصوير حماية المصالح كعيب، بالرغم من أن ذلك هو الأصل والأساس عند تكوين مؤسسات المجتمع المدني غير الخيرية، والغرفة ليست استثناء وما هي بالنهاية إلا عنوان رسمي لتجمُّع التجار وليست التجار أنفسهم، وهذا هو الفارق الذي قد يغفله أو يتغافل عنه البعض، كما أن الغرفة أقرب لكونها «كارتل» أو تحالف اتحاد منتجين وتجار منها لنقابات العمال والموظفين و«البروليتارية الرثّة»، يستمد قوته من قيمة وحجم ونفوذ وملاءة أعضائه الهادفين إلى التحكم بالدورة الاقتصادية والاستفادة منها والحد من المنافسة بينهم لا العكس، فيكون مؤسسوها وأعضاؤها في حالتنا هم مَن أعطوا للغرفة وزناً ونفوذاً لا المبنى أو القانون التنظيمي، ناهيك بالطبع إذا ما ترافق كل ذلك مع دور تاريخي واجتماعي ووطني مشهود، ولا يقاس الأمر بما هو حاصل في بقية جمعيات النفع العام والنقابات الحكومية على سبيل المثال، حيث يستمد الأعضاء قوتهم وقيمتهم من كيانهم الذي يجمعهم بقصد الدفاع عن مصالحهم وتحسين أوضاعهم، كجمعية المهندسين أو المحاسبين أو المحامين، أو غيرها من نقابات عمال المناجم والحقول الحكومية، وبالتالي المحاولات للتدخل بأعمال الغرفة والحدّ من حجم نفوذها المزعوم لا يعني أبداً الحد من نفوذ أعضائها وتأثيرهم ووزنهم السياسي والاجتماعي.
أما إذا كان الهدف من الهجمة الموسمية الحالية معرفة مصير الرسوم والاشتراكات التي تحصّلها الغرفة من منتسبيها «التجار»، والتي يدفع أغلبها مؤسسوها، لكونهم الأكثر نشاطاً تجارياً أو لحاجتهم إلى أصوات الآخرين انتخابياً، فهو تساؤل مستحق بالتأكيد، ويهمني - ومثلي الكثيرون - معرفة مآل هذه الأموال وسند تحصيلها، لكن ما يهمني أيضاً كمواطن عادي، طالما أن الحملة هدفها مالي وليس سياسياً ولا انتقامياً ولا ابتزازياً، لا سمح الله، أن تُصفّى حسابات الجميع ما دامت الكيانات سايحة على بعض، فلا فرق بين دينار ودينار إلا بالحلال والحرام والشفافية بينهما، فالمال واحد والشعب واحد، ويا حبّذا بالمناسبة مادام وصلنا طريق الغرفة أن نكمل نحو بقية الممرات وجمعيات النفع العام المسمّاة رسمياً خيرية، كالإصلاح وإحياء التراث والثقافية وغيرها، وبينها الكثيرون، وسنتجاوز مؤقتاً عن مسألة نفوذها ودورها السياسي الممنوع بحكم القانون بشكل لا لبس فيه، ونتساءل فقط عن مصير التبرعات والزكوات والأخماس والخيرات ودفعات البلايا وميزانياتها واشتراكات منتسبيها وأعدادهم، وعن مصارفها داخل البلاد وخارجها، سواء للعمل الخيري أو للتنظيمات الدولية الصديقة والزميلة، وبعد ذلك نقدر نصفّي النفوس ونبني على أسس متساوية وواضحة للجميع، حفظكم الله ورعاكم.