في ظلال الدستور: الذكرى المئوية لدستور 1923
د. مصطفى الفقي ودستور 1923
غاب عني، كما غاب عن الكثير من رجال القانون والفقه الدستوري والمهتمين بالشأن العام، الذكرى المئوية لدستور 1923، ولكن هذه الذكرى لم تغب عن المفكر الكبير الدكتور مصطفى الفقي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، وقد كتب مقالاً قيّماً في صحيفة الأهرام قبل عشرة أيام عن مئوية دستور 1923، باعتباره حارس الديموقراطية في مصر، حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، ومعبراً عن الحاجة إلى قيام نظام برلماني، تكون فيه الأمة مصدر السلطات، وقد جمعنا العمل معاً في البرلمان العربي وقت أن كان سيادته نائبا لرئيس البرلمان.
وكان دستور 1923 الذي صدر به الأمر الملكي في 19/ 4/ 1923، هو حصاد ثورة 1919، وهي ثورة جماهيرية واسعة عجزت قوات الاحتلال البريطاني عن مواجهاتها أو السيطرة عليها لفترة ليست بالقصيرة، فأذعنت سلطة الاحتلال لمطلب هذه الثورة بإعلان استقلال مصر في تصريح أصدرته بريطانيا في 28/ 2/ 1922، وقد استمر العمل بهذا الدستور، حتى تم إلغاؤه بعد قيام ثورة 1952 وحلول إعلان دستوري مؤقت محله إلى أن صدر دستور 56 بعد الاستفتاء عليه.
ولعل ما دفعني إلى إفراد هذا المقال للذكرى المئوية لهذا الدستور أنه يجمعه كثير من السمات المشتركة مع دستور الكويت الصادر سنة 62، ولعل الحديث عن التجربة الديموقراطية في مصر في ظل دستور 23 حديث يطول ولا تحتمله مساحة المقال الصحافي، لذلك آثرت الاقتصار على لمحات قصيرة، لعل أولاها المساءلة السياسية في استهلال هذه التجربة.
وربما يكون على رأس هذه المواد التي يجب التعليق عليها، والتي هي الأساس للمساءلة السياسية، المادة (48) من دستور 1923، التي تنص على أن «الملك يتولى سلطته بواسطة وزرائه»، وهو أمر طبيعي مع ما كان ينص عليه دستور 1923 في المادة (33) من أن الملك ذاته مصونة لا تمس، فممارسة الملك سلطته بواسطة وزرائه، تبعد الملك عن مسببات التبعة والمسؤولية السياسية، وهو ما تجري به الدساتير الملكية جميعا، وهو ما تنص عليه المادتان (53) و(54) من دستور الكويت، إذ تنص أولاهما على أن «ذات الأمير مصونة لا تمس»، وتنص ثانيتهما على أن «يمارس الأمير سلطاته بواسطة وزرائه».
ولعل سبب اختياري هذا البند من بنود الدستور، التطبيق الصارم للمادة (48) من الدستور، في استهلال التجربة الديموقراطية في ظل دستور 1923، وخلاف الحكومة مع الملك فؤاد حول رفض حكومة سعد زغلول تعيين الملك للخمسين من أعضاء مجلس الشيوخ، طبقا لسلطته المنصوص عليها في المادة (74) من الدستور، إلا بناء على عرض مجلس الوزراء، وتم الاتفاق بين الملك ورئيس الحكومة سعد زغلول على تحكيم البارون البلجيكي فان دي روس النائب العام وقتئذ حسم هذا الخلاف، الذي حسمه، بما ارتآه من أن تعيين الملك لخمسين من أعضاء مجلس الشيوخ يجب أن يكون بناء على عرض مجلس الوزراء، لأن تولي الملك سلطته بواسطة وزرائه يعتبر أساس النظام الدستوري، لا يحتمل أي استثناء، وأذعن الملك لهذا الرأي.
ويسجل التاريخ لحكومة عبدالخالق ثروت أنها رفضت سفر الملك فؤاد إلى أوروبا في رحلة سياحية، إلا مصحوبا بوزير خارجيته طبقا لتقاليد النظم الدستورية، وقد ساندها البرلمان في هذا الأمر عندما رفض اعتماد مصاريف الرحلة إلا بعد رضوخ الملك لمطلب الحكومة، وانتهت الأزمة بإذعان الملك لقرار الحكومة والبرلمان برئاسة سعد زغلول، إلا أن الملك أبى أن يركب معه ثروت باشا باخرته (المحروسة)، فركب ثروت باشا الباخرة (مارييت باشا) والتقيا في الميناء الأوروبي، وبعدها سافر الملك بصحبته إلى باريس ثم لندن، حيث كان في استقبالهما في محطة القطار (فيكتوريا) الملك جورج الخامس وبعض الأمراء ورئيس وزراء بريطانيا ووزير خارجيتها.
وفي سياق المساءلة السياسية سجل التاريخ لمصطفى مرعي عضو مجلس الشيوخ استجوابه الموجه للحكومة عن تصرفات المستشار الصحافي للديوان الملكي، وأن ما أنفق على الباخرة المحروسة الخاصة بالملك كان موضوع مساءلة سياسية أخرى للحكومة، والاستجواب الموجه عن الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين التي كان لحاشية الملك دور كبير فيها.
وكان د.عثمان خليل عثمان عضواً في لجنة وضع مشروع دستور جديد بعد الثورة، والتي كانت تضم عدداً كبيراً من القامات الرفيعة يمثلون مختلف الاتجاهات والطوائف، وقدمت مشروعها في أغسطس 1954 الذي لم ير النور.
هذا غيض من فيض التجربة الديموقراطية في مصر في ظل دستور 1923، وللحديث بقية عن السمات المشتركة بين دستور1923 ودستور الكويت، إن كان في العمر بقية.