انتهت النيابة العامة إلى عدم الموافقة على الاقتراحين المقدمين بشأن تعديل القانون، مشيرة إلى أن هناك مقتضيات منظمة لرد الاعتبار القانوني جاءت واضحة وجلية ومحددة بصورة يقينية يُعمَل بها حالياً تتفق المدد اللازمة لرد الاعتبار القانوني فيها مع طبيعته والغاية منه، بانقضاء مدة معينة كتجربة تخول المحكوم عليه الحصول على رد الاعتبار القانوني بشكل تلقائي، وبحيث لا يرتكب خلال هذه المدة أي جريمة جديدة، فضلاً عن أن رد الاعتبار القضائي ليس سبباً لانقضاء العقوبة، ولكنه سبب لزوال الآثار الأخرى للحكم، وهو أمر لا يتأتى - وفق المدد القصيرة لطلب رد الاعتبار القضائي - إلا بوضع المحكوم عليه تحت التجربة.

وقالت النيابة إنه لا يصح أن تبدأ المدد اللازمة لرد الاعتبار من تاريخ الإفراج الشرطي، ذلك أن الإفراج تحت شرط هو إفراج معلق على شرط التزام المفرج عنه بحسن السيرة والسلوك والشروط التي وضعتها السلطة المختصة، فهو ليس إفراجاً نهائياً بل يتعين التربص حتى صيرورة الإفراج تحت شرط نهائياً.

Ad

وأشارت إلى إسناد التحقيق في طلبات رد الاعتبار إلى النيابة العامة، باعتبارها الجهة المنوط بها - دستورياً. وتولي الدعوى الجزائية والإشراف على شؤونها، وملاحقة المجرمين وتنفيذ الأحكام، كما تستقل بسلطة مباشرة في إجراء التحقيق والادعاء كأصل عام بوصفها شعبة من شعب القضاء، حيث حدد القانون اختصاص النيابة العامة بالتحقيق في قضايا الجنايات كأصل عام لم يجز لها أن تعهد إلى المحققين أو الضباط في دائرة الشرطة بتحقيق أي جناية خروجاً عن الأصل العام، بالإضافة إلى سلطة التحقيق في الجنح وذلك على سبيل الاستثناء، فضلاً عن أن الواقع العملي يتطلب توافر الخبرة والدراية للقائمين على التحقيق في طلبات رد الاعتبار مما يستتبع إسناد التحقيق فيها إلى جهة قضائية مستقلة.

وكشفت أن النص الحالي للقانون أغفل تحديد مدد للتحقيق في طلبات رد الاعتبار، إلا أن المدد الواردة في الاقتراح بقانون غير كافية لا يستقيم قانوناً ترتيب جزاء على انقضائها، فهي مواعيد تنظيمية يقتضي تحديدها بمدد مناسبة والسماح بالطعن بالتمييز في الحكم الصادر فيها.

ولفتت إلى أن جواز إصدار الحكم برد الاعتبار القضائي، وإن تخلفت شروطه أو لم يستوف المدة اللازمة للحصول عليه، هو حكم يتعذر تطبيقه من الناحيتين القانونية والواقعية، ذلك أن النص المقترح جاء خروجاً عن القواعد العامة والأصول القانونية المتعارف عليها، فالأحكام القضائية تبنى على الأدلة الواقعية والحجج القانونية، حيث يتعين على القاضي قبل النطق بالحكم أن يسرد جملة العلل التي دفعته للاقتناع بمضمون الحكم، وأن يؤسس ذلك بأدلة ثابتة، وأن يذكر النصوص القانونية التي طبقها، لذا يجب أن تكون هذه النصوص محددة تحديداً نافياً للجهالة حتى تكون صالحة للتطبيق السليم الذي يوفر حماية للقاضي والمتقاضي، ويمكّن جهة القضاء الأعلى من ممارسة حقها الرقابي.

وذكرت أن تقرير رد الاعتبار بقوة القانون فقط بمجرد تنفيذ العقوبة- دون مرور فترة زمنية تعتبر قرينة قانونية على حسن السلوك - يهدر فلسفة القانون وأهدافه المعتبرة بوجود مدة معقولة لليقين من خلالها بحسن سير المحكوم عليه وسلوكه في المجتمع، والذي تحول بين المجرم الذي ثبتت إدانته بموجب حكم بات وبين ممارسة بعض الحقوق السياسية والاجتماعية ذات الشأن، والتي لا يصح أن يرتقيها من فقد اعتباره إلا بعد التحقق من استقامة سلوكه تحت رقابة القضاء أو مضي مدة مناسبة قانوناً كقرينة ترجح ذلك، لا سيما أن من شأن الاقتراح بقانون فتح الأبواب على مصاريعها في مواقع المسؤولية ومجالات العمل العام للذين لم يرتفعوا بسلوكهم عن مستوى الشبهات.

وأشارت النيابة الى أن إلغاء رد الاعتبار القضائي كلية - قد يتوافق وتوجه الاقتراح برد الاعتبار القانوني بمجرد التنفيذ أو مرور فترة زمنية بسيطة - إلا أنه لا يراعي مصلحة المجتمع بتمكينه المجرم من التنصل من آثار جريمته فور تنفيذ العقوبة دون الوقوف عما إذا عاد إلى رشده الأخلاقي أو القانوني، ويمثل ردة تشريعية بتقرير مساواة مطلقة بين كل المجرمين رغم اختلاف جرائمهم التي تنبئ بذاتها عن مدى خطورة كل منهم مما يستوجب الإبقاء على رد الاعتبار القضائي بيد القضاء الأقدر على الموازنة والحكم بما فيه مصلحة الأفراد والمجتمع.