اتجهت أنظار جميع الأوساط الاقتصادية الأسبوع الماضي نحو اجتماعات البنوك المركزية التي رفعت أسعار الفائدة كما كان متوقعا على نطاق واسع. وأصدر مجلس الاحتياطي الفدرالي قراره بتقليص وتيرة رفع أسعار الفائدة إلى 25 نقطة أساس، وإقراره بتراجع الضغوط التضخمية مؤخرا، مع التأكيد على أن المزيد من الزيادات مطروحة على الطاولة لمواصلة كبح التضخم، كما قام كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا، وبما يتسق مع التوقعات، برفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس. إلا أن التقلبات سيطرت على مشهد تداول العملات الأجنبية في ظل تفسير المشاركين في السوق التوجهات المستقبلية على أنها ربما تكون إشارة للوصول إلى ذروة دورة رفع سعر الفائدة في مارس.
وحسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي، الصادر عن بنك الكويت الوطني، هناك مؤشرات عديدة ساهمت في تعزيز الدعوة إلى قيام مجلس الاحتياطي الفدرالي بوقف رفع سعر الفائدة مؤقتا، وتغيير سياساته، ومنها تراجع الضغوط التضخمية، وهو ما يتزامن مع ظهور علامات انكماش الاقتصاد الأميركي. وفي ذات الوقت، تصاعدت تقديرات صانعي السياسات في الاحتياطي الفدرالي خلال العام الماضي، الخاصة بمدى رفع أسعار الفائدة، حيث أثبت التضخم مدى قوته وثباته أكثر مما كان متوقعاً. ولم يلمحوا نهائياً إلى خفض سعر الفائدة هذا العام. وسوف يتم تحديد كيفية تطور الانشقاق الحالي إلى حد كبير وفقاً لتطورات الأحداث وما إذا كان التضخم يتراجع بوتيرة أسرع من توقعات البنك المركزي، أو إذا كان أداء أسواق العمل سيتراجع أكثر مما يأمل.
وتحسنت معنويات السوق على خلفية رفع صندوق النقد الدولي آفاق نمو الاقتصاد العالمي، مع الإشارة إلى التأثير الإيجابي لتعافي الاقتصاد الصيني بعد رفع القيود المتعلقة باحتواء فيروس كوفيد 19 ومؤشرات لتراجع التضخم، ويتوقع الصندوق نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.9% هذا العام، بزيادة قدرها 0.2% عن توقعات أكتوبر الماضي.
وسجل مؤشر الدولار ارتفاعا بعد اجتماع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأربعاء، قبل العودة إلى أدنى مستوياته المسجلة في 9 أشهر بعد سيطرة التوجهات التيسيرية على معنويات الأسواق. وبالمثل، تراجعت الأسهم بعد صدور قرار الفدرالي، قبل عكسها هذا الاتجاه لتغلق على ارتفاع بنهاية اليوم. وبعد اجتماعات البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا، تذبذب أداء اليورو والجنيه الإسترليني قبل استقرارهما على تراجع في ظل تسعير الأسواق رفع أسعار الفائدة بوتيرة أبطأ في المستقبل. وبلغت احتمالات رفع البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس أقل من 65% يوم الجمعة.
وأنهى الدولار تداولات الأسبوع مغلقا على ارتفاع، بعد أن كشفت بيانات سوق العمل الجمعة زيادة عدد الوظائف بمعدلات أعلى بكثير من توقعات السوق، مما قد يمنح «الاحتياطي الفدرالي» مساحة أكبر لمواصلة رفع أسعار الفائدة، وتزايدت احتمالات قيام «الفدرالي» برفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في مارس المقبل من 80% إلى 90% بعد صدور التقرير.
من جهة أخرى، أنهى الجنيه الإسترليني واليورو تداولات الأسبوع على تراجع مقابل الدولار بوصولهما إلى مستوى 1.2051 و1.0793 على التوالي، أما بالنسبة لتداولات الدولار مقابل الين الياباني فقد قفز الدولار من أدنى مستوياته البالغة 128.20، لينهي تداولات الأسبوع مغلقا عند مستوى 131.20، في ظل إشارة البيانات إلى إمكانية مساهمة اتساع فروق أسعار الفائدة في تعزيز قيمة الدولار، وتراجعت الأسهم وارتفعت عائدات السندات بعد صدور التقرير.
وتيرة أكثر بطئاً
وأدلى رئيس مجلس «الاحتياطي الفدرالي» جيروم باول بعدد من التصريحات، في مؤتمر صحافي أعقب قرار رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى نطاق يتراوح بين 4.5 و4.75%، قائلا إنه يرى لأول مرة «بدأنا نلمس دلائل حقيقية على تراجع التضخم»، إلا أنه أكد أنه «من السابق لأوانه إعلان النصر في معركة التضخم»، وتحدث عن تشديد أوضاع سوق العمل في ظل اقتراب البطالة من أدنى مستوياتها المسجلة منذ 50 عاما.
وأشار باول إلى إمكانية «رفع أسعار الفائدة مرتين» للوصول إلى مستوى مناسب للحد من التضخم، وعلى الرغم من ذلك، أفاد بأن مجلس «الاحتياطي الفدرالي» يمنح نفسه المرونة لتطبيق السياسات النقدية المستقبلية، قائلا إنه «من الممكن بالتأكيد» أن تظل أسعار الفائدة النهائية أقل من 5%، إلا أن ذلك يعتمد على البيانات، ولا يزال سيناريو الحالة الأساسية الذي افترضه باول يشير إلى إمكانية تحقيق نمو هذا العام، وإن كان بوتيرة ضعيفة.
تقرير الوظائف
وزاد نمو الوظائف في الولايات المتحدة بوتيرة فاقت كل التوقعات خلال يناير الماضي، في إشارة إلى استمرار مرونة سوق العمل، وكشف تقرير الوظائف، الذي تتم مراقبته عن كثب، ارتفاع الوظائف غير الزراعية بمقدار 517 ألف وظيفة الشهر الماضي مقابل التوقعات التي أشارت إلى 185 ألفا، وتم تعديل البيانات الخاصة بشهر ديسمبر ورفعها لتظهر إضافة 260 ألف وظيفة بدلا من 223 ألفا وفقاً للتقرير السابق.
من جهة أخرى، ارتفع متوسط الأجر في الساعة بنسبة 0.3% بعد ارتفاعه بنسبة 0.4% في ديسمبر، وأدى ذلك إلى تراجع الزيادة السنوية للأجور إلى 4.4% مقابل 4.8% في ديسمبر، بينما توقع الاقتصاديون ارتفاع الأجور بنسبة 4.3% على أساس سنوي، وبلغ معدل البطالة 3.4% مقابل 3.5% في ديسمبر.