بعبارات مبسطة، يعني «الذكاء الاصطناعي» تفاعل الحاسوب والإنسان الآلي مع الحالة التي تواجهه بتحليل سريع ودقيق للمعطيات والبيانات، وصولاً الى توقعات وبدائل ممكنة، وبما يؤدي الى اتخاذ القرار المناسب والمضي بالإجراء الملائم بشكل تلقائي، وذلك من خلال آلية معقّدة تشبه الى حد بعيد عمل الشبكية العصبية والخلايا الدماغية التي تتحكم في تصرفات وقرارات الإنسان.
يستخدم الحاسوب في هذا المجال الخوارزميات الذكية القادرة على التعلم التلقائي، والتحليل الأوتوماتيكي، والتصحيح المنهجي، والتوجيه الذاتي، للقيام بمهام تشبه الى حد بعيد ما يقوم به البشر في مجالات عديدة تتطلب أحياناً مكنات بسيطة نسبياً كفهم اللغات والتعرّف على الأصوات والأشكال والوجوه، أو تستخدم مقدرات أكثر تعقيداً كالتعلّم والتعليم الآليين.
إضافة الى استخداماته المنطقية والمتوقعة في مجالات الصناعات الرقمية، ووسائل التنقل الذكية، والتواصل الإلكتروني، صار رائجاً استخدام «الذكاء الاصطناعي» في مجالات عديدة كان التخلي عن البشر لتحقيقها ضرباً من ضروب الخيال، ومن ذلك: تشخيص الأمراض وإجراء العمليات الجراحية، والتقاضي الإلكتروني والإفتاء الرقمي، والأمن الوطني والوقاية من الجرائم المنظمة، والكشف عن الغش والتزوير، والإعلام والترفيه، والمحاسبة وإدارة الموارد البشرية، والبحث العلمي واستطلاع البيانات المعقدة، وإنشاء المحتوى المخصص للنشر، وإدارة سلسلة التوريد وعمليات البيع والشراء، وقياس اتجاهات العرض والطلب، وتقصي الأذواق والرغبات... إلخ.
لم يعد مستغرباً مع دخولنا عصر «الذكاء الاصطناعي» ظهور مفاجآت يومية في هذا المجال قد يأخذ بعضها شكل الظاهرة في انتشارها السريع وتأثيرها الكبير واستخداماتها المربكة حتى لا نقول الملتبسة أو المقلقة، ونذكر من بين النماذج التي تحوز حالياً شهرة متصاعدة في هذا المجال برنامج ChatGPT الإلكتروني القادر بدقة كبيرة وسرعة هائلة على الكتابة الذاتية في أي موضوع قد تسأل عنه من خلال الحديث معه كتابة بشكل مباشر وتفاعلي.
فمن أجل تزويد مستطلعه بإجابات آلية وفورية تتمتع بمقدار كبير من المصداقية والمهنية والدقة، يقوم هذا البرنامج- في بضع ثوان- بسلسلة من الخطوات غير المرئية تتضمن فهم اللغة، والتحليل الزماني والمكاني، والتصنيف الآلي، والتدقيق المنهجي، وصولاً لتقديم إجابة كافية ووافية أو كتابة مقال، أو صياغة نص، أو إعداد تقرير أو ملخص، ناهيك عن التدقيق الإملائي وترجمة النصوص.
***
معاندة بمقولة إن «الإنسان عدو ما يجهل»، ورغم ترددي في زيارة هذا البرنامج الذي أقل ما يقال عنه إنه «من عمل الخيال»، وتجاوزاً لقناعتي المتذبذبة حول أخلاقية وجدوى استخداماته، قادني فضولي الى مواجهة ChatGPT بالسؤال الشهير «من أنت؟ وما المساعدات والخدمات التي يمكن أن تقدمها؟»، وقد أتت إجابته الحرفية- مع بعض التصرف الذي تتطلبه ضرورات تنسيق الصياغة- على النحو التالي:
(أنا نموذج من نماذج «الذكاء الاصطناعي» المدرب من OpenAI لتحليل اللغة الطبيعية والإجابة عنها، الهدف مني هو الإجابة عن الأسئلة النصية، والكتابة الآلية، والترجمة، والتحليل الإحصائي، في مجالات مختلفة، كالثقافة العامة، والعلوم، والطب، والتكنولوجيا، والأخبار، والفن، والرياضة، وغيرها.
وتقوم مساعدتي على استخدام «الذكاء الاصطناعي» في العديد من المجالات، ومنها:
- التحليل اللغوي، والتعليم الذاتي للغة، والترجمة الآلية، وصياغة النصوص.
- تحليل الأعمال: حيث يمكن القيام بتحليل الأدلة الإحصائية المتعلقة بالأعمال، كالدخل، والتكلفة، والإيرادات، والخطط الاستراتيجية، والتحليل الإحصائي للشركات، وغيرها.
- التحليل الطبي: أي التشخيص الذاتي للحالات الصعبة والتنبؤ بالأمراض.
- التعليم الآلي: حيث يمكن القيام بتدريب الطلاب على اللغة الإنكليزية أو اللغات الأخرى، في الإجابة عن الأسئلة الشائعة وتحسين الكتابة والتحدث.
- الترجمة الآلية: حيث يمكن ترجمة النصوص من اللغة الأصلية إلى اللغة المستهدفة.
- التصحيح الذاتي: ويعني التشخيص الذاتي للأخطاء التي قد تحدث في البيانات المدخلة).
***
رغم فوائد «الذكاء الاصطناعي» المتعددة في مجال تعزيز الرفاهية البشرية وتحسين دقة الخدمات وكفاءتها بالإضافة الى تقليص الجهود والنفقات، فإنه يطرح كثيراً من التحديات الأخلاقية، والاقتصادية، والاجتماعية والقانونية، ويشمل ذلك: القلق من ارتفاع نسبة البطالة في بعض المهن التخصصية التي بقيت فترة طويلة بمنأى عن المنافسة غير البشرية، والخشية من انتهاك الخصوصيات وتغيّر المجتمعات، وصعوبة تحديد المسؤولية في حالة وقوع ضرر ناجم عن استخدام الأنظمة الذكية، والدخول في نمطية التعود على ذكاء الآلة بدلاً من التفكير، وغير ذلك من المخاطر التي قد تنتج عن الاستخدام الخطأ للمنصات والمواقع والتطبيقات الذكية كلجوء ضعاف النفوس وقليلي الدراية المعرفية الى استخدام برنامج ChatGPT لإعداد تقارير أو نشر مقالات دون ذكر مصدرها.
وهذا ما يحفّز على الاستمرار بتتبع وتنظيم استخدامات «الذكاء الاصطناعي» والاستمرار في دراسة آثاره المحتملة والعمل على إيجاد الحلول المناسبة للتخفيف من سلبياته والاستفادة من ايجابياته، شأنه في ذلك شأن كل التقنيات والاختراعات والاكتشافات التي سبقته وستلحقه بالسيطرة على تفاصيل حياتنا اليومية، حيث ما زال التساؤل سارياً حول الحلول الإجبارية للآلة الحاسبة مكان جدول الضرب، وحلول الكتابة الإلكترونية مكان القلم، والاستعاضة عن النشاط البدني بالرياضة التفاعلية! * كاتب ومستشار قانوني.