إلى من زعم أن المجلس تعاون مع الحكومة: هل طلعها ب«الشينة»؟
زعم بعض الكتّاب والنواب أن مجلس الأمة الحالي متعاون مع الحكومة، وأن الحكومة لم يجدر بها الانسحاب من الجلسة الأخيرة ثم الاستقالة، وأرى أن هذا الزعم مناف للحقائق التي تجلّت بكل وضوح في الجلسة ذاتها.
فعندما طلبت الحكومة إعادة تقارير اللجنة المالية التي تكلف المليارات إلى اللجنة للاتفاق على بدائل لم تجد نائباً واحداً وقف مؤيداً لطلبها، لكنهم أيدوا للأسف طلب رئيس اللجنة المالية بتأجيل مناقشة إلغاء المادة (80) من قانون التأمينات، مع أن سرعة إلغاء هذه المادة سيؤدي إلى حفظ أموال الدولة ووقف عبث الحكومة بها.
وعندما نشرت أرقام الميزانية الجديدة التي زادت مصروفاتها إلى نحو 26 ملياراً منها 21 ملياراً للرواتب والدعومات لم يقتنع النواب الذين قدموا الاقتراحات بإعادة النظر في اقتراحاتهم التي تكلف مليارات إضافية، وتهدد مستقبل الكويت والأبناء، رغم أن الزيادات التي تمت في السابق لم تؤدّ إلى استقرار الحكومة ولا إيقاف طلبات النواب، أضف إلى ذلك الخلاف الكبير بين المجلس والحكومة حول قضية البدون ودور الجهاز المركزي ورفض المجلس جميع أولويات الحكومة ورفض الحكومة معظم اقتراحات المجلس.
جميع هذه الأدلة تبين انعدام التعاون بين المجلس والحكومة، وأن الحكومة لا تملك الأغلبية الكفيلة باستمرارها، وهي الأغلبية المطلوبة في كل برلمانات العالم.
وهناك أيضاً زعم منتشر كثيراً بين الناس، وهو أنه يجب على الحكومة وحدها التصدي ورفض اقتراحات النواب المكلفة مالياً، وأن ليس على النواب الآخرين التصدي لهذه الاقتراحات وإلا فإنهم لن ينجحوا في الانتخابات، وهو زعم بالغ الخطورة لأن قائله يريد أن يطلع النائب بالزينة وتطلع الحكومة والسلطة بالشينة، وتزداد بالتالي كراهية الشعب للحكومة، وهذا الزعم مخالف للشرع الحنيف أيضاً، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» أن الجميع مسؤول، فقد بدأ بالإمام ثم برب الأسرة ثم الأم حتى وصل إلى الخادم، وعليه فإن النائب مسؤول أمام الله عما يقدمه من اقتراحات وما يقدم من غيره، وقد أخذت جميع أمم الأرض بهذه القاعدة العظيمة، فحيثما تكن السلطة تكن المسؤولية، وبما أن سلطة الحكومة هي الأكبر فهي تتحمل المسؤولية الأكبر دون الإخلال بمسؤولية المجلس لأنه سلطة كبيرة أيضاً.
وهذه المسؤولية تقع على الاثنين معاً، كما أنهما عجزا عن نشر الوعي المالي والاقتصادي السليم، ولم يقوما بالإصلاح الاقتصادي المطلوب، واكتفيا بمشاهدة وسائل التواصل غير المتخصصة تنشر الأكاذيب والأغلاط في قضايا المال والاقتصاد دون بذل الجهد لتصحيحها.
لذلك فإن المخرج الصحيح هو أن تسعى السلطة ورئيس الحكومة والأغلبية الكافية من النواب إلى التوافق على برنامج عملي، وعلى أسس علمية لا شعبوية يكفل الإصلاح من جميع جوانبه ابتداء من الاتفاق على أولوية القضاء على الفساد وإصلاح الاقتصاد ونظام الرواتب وضبط الإنفاق وزيادات الإيرادات، وربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل وإصلاحه، بحيث يكون تمرير هذا البرنامج في المجلس والدفاع عنه مسؤوليتهم جميعاً، فهذا هو التعاون الحق وهو تطبيق لمبدأ (حكومة ذات أغلبية برلمانية)، وإلا سنشاهد عدة استقالات حكومية وحل للمجلس وانتخابات مكررة في المستقبل.