تركيا تحت صدمة أكبر كارثة في تاريخها وارتباك دولي بالمساعدة يضاعف مأساة سورية
• حصيلة ضحايا زلزال «كهرمان مرعش» في البلدين ترتفع ساعة بساعة وأكثر من 23 مليون تركي وسوري تأثروا مباشرة
• فرق إغاثة من 70 دولة في طريقها إلى تركيا ومساعدات عربية وإيرانية وروسية تصل إلى دمشق
• السيسي ينهي القطيعة مع الأسد... والسعودية تعزي «الجمهورية السورية» وترسل مساعدات وفرق إغاثة
بدت تركيا أمس تحت صدمة حجم الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات، ما دفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى وصف الزلزال، الذي ضرب البلاد أمس الأول بقوة 7.8 درجات، بأنه «أكبر كارثة في تاريخ الجمهورية وفي المنطقة والعالم»، في وقت وجدت سورية نفسها أمام مأساة مضاعفة مع تردد الكثير من الدول في إرسال مساعدات؛ بسبب العقوبات الغربية المفروضة على دمشق، والقطيعة الدبلوماسية معها، في ظل مكافحة المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة بإمكانات معدومة لمساعدة عشرات الآلاف من النازحين.
ومع بقاء مئات العائلات تحت الأنقاض وتضاؤل فرص إنقاذ الأحياء، ارتفعت حصيلة الضحايا بشكل اطرادي أمس، لتسجل 3549 قتيلاً و22168 مصاباً على الأقل في تركيا وحدها، ونحو ألفي قتيل في سورية. وقدرت الأمم المتحدة عدد الذين تأثروا مباشرة بالزلزال بـ 23 مليون تركي وسوري. وأعلنت السلطات في أنقرة تأثر أكثر من 13 مليون شخص بشكل مباشر، وهدم عدد قياسي من المباني بلغ 5775، بالإضافة إلى 11302 لم يتم تأكيدها.
وقال الرئيس إردوغان، إنه لمواجهة آثار الزلزال، الذي غطت منطقة تأثيره نحو 110 آلاف كلم2، تم «إنشاء 54 ألف مخيم بالمناطق المنكوبة، وتقديم مساعدات طارئة بقيمة أولية تقدر بـ 100 مليار ليرة، وتخصيص طائرات لنقلها وإرسال 5 آلاف من قطاع الصحة»، وأعلن حالة الطوارئ 3 أشهر في 10 ولايات منكوبة، مطالباً بعدم استخدام الطرق المؤدية إليها.
ومع بدء وصول المساعدة الدولية، جهدت فرق الإنقاذ في البرد وتحت الأمطار أو الثلوج مستخدمة أحياناً الأيادي، لإنقاذ عالقين بين الأنقاض، وبدأت فرق الإغاثة من نحو 70 دولة في الوصول إلى تركيا.
وفي دمشق، تواصلت أعمال الإغاثة، التي تتم بإمكانيات محدودة ووسط أجواء شديدة البرودة، للمتضررين والمنكوبين بشمال غرب سورية، جراء الزلزال المدمر وأحدث دماراً واسعاً بعدة مدن بعضها يخضع لحكومة دمشق وبعضها الآخر للفصائل المعارضة. وأفادت تقارير بأن معبر «باب الهوى» الحدودي مع تركيا مغلق أمام جميع المساعدات الإنسانية، أمس، بسبب الأعطال بالجانب التركي.
وفي وقت لم يتضح حجم المأساة بالمناطق السورية جراء الزلزال غير المسبوق منذ 100 عام، حذرت مؤسسات إغاثية من أن إغلاق المعبر يمثل قطعاً للشريان الوحيد، الذي يغذي المتضررين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة والمعزولة عن العالم منذ 11 عاماً من الحرب الأهلية.
ودعا «الهلال الأحمر» السوري الحكومي أمس واشنطن والاتحاد الأوروبي إلى رفع العقوبات وتقديم المساعدات لسورية. وجاء ذلك بعد أن قال السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ، في نيويورك، إنه في حال تقديم أي مساعدات لسورية فإنها ستصل لكل السكان.
وأضاف الصباغ، بعد لقائه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لنقل طلب الحكومة السورية للمساعدة: «نؤكد استعدادنا للتنسيق لتقديم المساعدات لكل السوريين في جميع أرجاء البلاد».
على الجهة المقابلة، طالبت «الخوذ البيضاء» بإرسال آليات ثقيلة ومساعدات عاجلة للتعامل مع الأزمة.
وتسببت الخلافات الدولية بشأن الجهة المخولة بالحصول على المساعدات العاجلة للسوريين في زيادة الطين بلة، فبينما طالب البعض باستخدام معابر بديلة لتحل مكان «باب الهوى» لدخول الدعم الإنساني للمنطقة، مثل معبر باب السلامة في ريف حلب ومعابر الراعي وجرابلس، دعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، روسيا إلى المساعدة في الضغط على حكومة دمشق للسماح بدخول المساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال بـ «سرعة ودون أي عقبات إضافية».
وشدد المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، على ضرورة السماح بإيصال المعدات والتقنيات اللازمة لمساعدة دمشق على تجاوز الأزمة التي تركزت في محافظات حلب وحماة واللاذقية.
وفي حين تدفقت مساعدات إغاثية عاجلة، تضمنت أدوية وأغذية ومحروقات وفرق إنقاذ، من الإمارات والعراق والجزائر وتونس ومصر ولبنان وإيران وروسيا على دمشق، أمس، برز إجراء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً، هو الأول من نوعه على الإطلاق، مع نظيره السوري بشار الأسد للتعزية بضحايا الزلزال، والإعراب عن الاستعداد لتقديم كل أشكال المساعدة لتجاوز المأساة.
كما أعرب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان عن تعازيهما إلى تركيا والجمهورية السورية، وشعبيهما، كما أمرت القيادة السعودية بتقديم الدعم والمساعدة إلى البلدين من خلال إرسال فرق إنقاذ وتسيير جسر جوي إغاثي يشمل مساعدات طبية وإنسانية بصورة عاجلة. كما تلقى الأسد اتصالاً هاتفياً من سلطان عمان هيثم بن طارق، أعرب خلاله الأخير عن تضامن مسقط مع الشعب السوري ووقوفها معه لتخطي المحنة.
ولاحقاً، شدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، خلال اتصال هاتفي أيضاً، مع نظيره السوري على أن الجزائر ستقدم المساعدات اللازمة لسورية لعبور تبعات الزلزال.
وكان العاهل البحريني حمد بن عيسى أجرى اتصالاً بالأسد، هو الأول منذ عام 2011.
في تفاصيل الخبر:
رغم بقاء مئات العائلات تحت الأنقاض لليوم الثاني وتضاؤل فرص وجود أحياء، واصلت حصيلة ضحايا زلازل تركيا المدمر منحاها التصاعدي، أمس، لتسجل 3549 قتيلاً وإصابة 22168 وتضرر أكثر من 13 مليون شخص وهدم عدد قياسي من المباني بلغ 5775 بالإضافة إلى 11302 لم يتم تأكيدها.
ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الزلزال، الذي غطت منطقة تأثيره مساحة تقارب 110 آلاف كلم، بأنه «أكبر كارثة في تاريخ الجمهورية وفي المنطقة والعالم»، مشيراً إلى «إنشاء 54 ألف مخيم بالمناطق المنكوبة وتقديم مساعدات طارئة بقيمة أولية 100 مليار ليرة وتخصيص طائرات لنقلها وإرسال 5 آلاف من قطاع الصحة».
وأكد إردوغان ارتفاع عدد القتلى إلى 3549 والمصابين إلى 22168 وإنقاذ ما يزيد على 8000 حتى الآن مع استمرار عمليات الإنقاذ رغم كل الظروف الصعبة، وأعلن حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر في 10 ولايات منكوبة وطالب بعدم استخدام الطرق المؤدية إليها.
وإذ أوضح إردوغان أنه العمل جارٍ على التشخيص الدقيق لمدى انتشار الزلزال في المناطق عبر تقنية التصوير بالمسيرات، تحدث عن تلقيه عروض مساعدة من أكثر من 70 دولة و14 منظمة واتصال 18 زعيماً للتعزية والمساندة، مشيراً إلى أن قطر تستعد لإرسال 10 آلاف حاوية.
وأعلنت إدارة الكوارث التركية «آفاد»، أن منطقة تأثير الزلازل غطت مساحة تقارب 110 آلاف كلم وعمليات البحث والإنقاذ مستمرة في بكل الإمكانات المتوفرة، محذرة من احتمالية حدوث هزات ارتدادية بقوة تصل إلى 5 درجات.
وسجلت «آفاد» 243 هزة ارتدادية في المنطقة الحدودية بين تركيا وسورية حتى الآن، وذكرت أن عدد المباني المنهارة بلغ 5 آلاف و775 مبنى، وأنها تلقت بلاغات بانهيار 11 ألفاً و302 مبنى لم يتم تأكيدها.
وأشارت إلى مشاركة 24 ألفاً و443 عنصراً في الخدمة بالمناطق المتضررة وتخصيص 10 سفن لنقل الجرحى وإيصال الاحتياجات الضرورية من مأوى وغذاء للمتضررين ومشاركة 1511 معدة ثقيلة و216 عربة بالبحث والإنقاذ، وإرسال وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية 1322 خبيراً ومتخصصاً لتقديم الدعم النفسي للمحتاجين.
13.5 مليوناً
ووفق وزير التطوير العمراني مراد كوروم، فإن الزلزال أضر بصورة مباشرة بـ 13.5 مليون تركي، ومازال يصعب الوصول لبعض الطرق والممرات، ويجري العمل لاستعادة الحركة عليها.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن «تضرر 23 مليوناً في تركيا وسورية، بينهم نحو 5 ملايين في وضع ضعف، معربة عن القلق بشأن مناطق ليس لديها معلومات عنها بعد بسبب تأثرها بالهزات الارتدادية وظروف الشتاء القاسية.
واعتبرت منظمة «يونيسف»، أن هذا الزلازل هو الأقوى بالمنطقة منذ ما يقرب من 100 عام، مؤكدة أنه جاء في أسوأ توقيت ممكن للأطفال والأسر الضعيفة ودمر آلاف المنازل وشرد العائلات في أجواء شديدة البرودة.
إلى ذلك، كشفت شركت «إيه.بي مولر ميرسك» عن تعرض ميناء إسكندرون لأضرار هيكلية شديدة أوقفت العمل به حتى إشعار آخر، موضحة أنه «نظراً للوضع سيتم تغيير وجهة جميع الحجوزات المتجهة أو الموجودة بالفعل في المياه وتحويل الحاويات إلى مراكز قريبة وفقاً للجدوى التشغيلية أو إبقائها في موانئ شحن مؤقتة ومن بينها مرسين التركي وبورسعيد المصري».
الجسر الجوي
ومع بدء وصول المساعدة الدولية، جهدت فرق الإنقاذ في البرد وتحت الأمطار أو الثلوج مستخدمة أحياناً الأيادي، لإنقاذ عالقين بين الانقاض.
وانطلقت أولى طلائع الجسر الجوي، الذي وجّه سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، بإرساله إلى تركيا، بفرقة إطفاء مزودة بالآليات والمعدات والكوادر المتخصصة إلى جانب فريق إنقاذ بالتنسيق مع وزارات الخارجية والدفاع والصحة والهلال الأحمر.
وخصصت قطر 10 آلاف منزل متنقل للمناطق المتضررة، غداة إصدار الأمير تميم بن حمد تعليماته بتدشين جسر جوي لتركيا يحمل مجموعة البحث التابعة للأمن الداخلي (لخويا).
وفي برقيتي تعزية ومواساة لإردوغان، أكد ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وقوف المملكة مع تركيا ومساندتها في هذا الحدث المؤلم.
وفي وقت سابق، دشن العراق جسراً جوياً يضم فرق إنقاذ وطواقم طبية ووجهت الإمارات بإنشاء مستشفى ميداني وإرسال فريقي بحث وإنقاذ، إضافة إلى إمدادات إغاثية عاجلة،ووجها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وملك الأردن عبدالله الثاني.
دعم دولي
ومع توجه فرق الإغاثة الفرنسية خصوصاً إلى كهرمان مرعش مركز الزلزال الأول وهي منطقة وعرة لحقت بها أضرار جسيمة وغطتها الثلوج، وصلت وحدتان أميركيتان تضم كل واحدة 79 مسعفاً، بعد يوم تقديم الرئيس جو بايدن تعازيه لنظيره التركي ووعده بتقديم «كل المساعدة اللازمة مهما كانت».
بدوره، أرسل الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي عبّر عن حزنه الشديد للخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات، مساعدات بقيمة 5.9 ملايين دولار تشمل عمال إغاثة متخصصين في المناطق الحضرية وفرق طبية ومعدات طوارئ، مؤكداً أن تركيا «ستتغلب على الكارثة تحت قيادة رئيسها إردوغان».
وقال المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش إنه تم حشد 27 فريقاً للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ بتركيا، موضحاً أن هذه الفرق جاءت من 21 دولة مختلفة، من بينها مونتينيغرو (الجبل الأسود) وألبانيا، وهما ليستا عضوتين في التكتل. وتضم 1150 من عمال الإنقاذ و 70 كلباً مدرباً.
وفيما غرد لينارتشيتش بأن « تضامن الاتحاد الأوروبي في أفضل حالاته»، توجه فريق باكستاني من 51 فرداً يحمل 7 أطنان من المعدات إلى تركيا للمشاركة في أعمال الإنقاذ والإغاثة.
وفيما أرسلت الوكالة الفدرالية الألمانية للإغاثة فريقاً من 50 خبيراً إلى المناطق المتضررة، أعلن وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفري أمس، عن وصول فريق بحث وإنقاذ من 77 شخصاً إلى غازي عنتاب، متعهداً بمواصلة العمل مع الشركاء في جميع أنحاء العالم لضمان الاستجابة الإنسانية الأكثر فاعلية.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الكورية ليم سو سوك عن تقديم مساعدات إنسانية طارئة لتركيا بقيمة 5 ملايين دولار وإرسال نحو 110 أفراد بينهم 50 عسكرياً لدعم أعمال البحث والإنقاذ على متن طائرات عسكرية ستحمل إمدادات طبية.
وفي الإجمال، أعلنت الخطوط الجوية التركية أنها نقلت 12 ألفاً و839 عنصراً من فرق البحث والإنقاذ، إلى المناطق المتضررة من الزلازل.
شانلي أورفا... الخروج الحزين من مدينة مدمرة
تتوجه مواكب من السيارات شمالا للخروج من مدينة شانلي أورفا المدمرة، لإبعاد السكان المصدومين قليلا عن مسرح أقوى زلزال يضرب تركيا منذ عقود. على الجانب الآخر من الطريق، تسير عائلة تحت المطر المتجمد تجر متعلقاتها في عربة أطفال، بحثا عن مأوى لتمضية الليل البارد.
وكانت شانلي أورفا، وهي واحدة من كبرى مدن جنوب شرق تركيا، من أكثر المناطق المتضررة بالزلزال الهائل الذي أودى بحياة 5 آلاف شخص على الأقل في كل أنحاء المنطقة ذات الغالبية الكردية وسورية المجاورة.
وفي شانلي أورفا، كان عشرات المسعفين يحاولون سحب ناجين من مبنى مؤلف من سبعة طوابق تحول إلى أكوام من التراب والحطام.
ويبحث عمر الجنيد عن معارف له محاصرين تحت الأنقاض، حيث يقول هذا الطالب السوري البالغ 20 عاما، والذي يعيش على مقربة من المكان، «هناك عائلة أعرفها تحت الأنقاض»، ويضيف: «حتى الساعة 11:00 صباحا أو قرابة الظهر، كانت صديقتي لا تزال ترد على الهاتف. لكنها لم تعد تجيب. إنها موجودة تحت الأنقاض. أعتقد أن بطارية هاتفها نفدت».
وعلى مقربة يجلس أمين كاتشماز حول موقد برفقة موظفيه الثلاثة خارج متجر بيع المفروشات الخاص به، فيما يحرسون المتجر المحطم من اللصوص، فقد تحطمت نوافذ المتجر الضخمة وتصدعت أعمدته، وأصبح بالكاد قادرا على دعم الطوابق السبعة للمبنى المتضرر المتهالك الذي قد ينهار في أي لحظة. ويقول الرجل البالغ 30 عاما: «المبنى ليس آمنا لكن سنبقى هنا طوال الليل. هذا مصدر رزقنا».
وعلى مسافة مئات الأمتار، يجلس مصطفى كويونجو، البالغ 55 عاما، في سيارة العائلة مع زوجته وأطفالهما الخمسة، ويقول: «نحن ننتظر هنا لأننا لا نستطيع العودة إلى منزلنا. في الوقت الحالي، إنها ممنوعة» في إشارة إلى أمر حكومي يطلب من الجميع البقاء في الشارع حفاظا على سلامتهم.
وإذا لم يتمكن من العودة فسيتوجه مع عائلته إلى مسجد قريب تحول مثل الكثير من المساجد الأخرى إلى مركز استقبال.