درج بعض الدارسين على تفحص نظرة الأوروبيين إلى المسلمين والعرب، ولم يحصل أن تطرق أحد من الباحثين إلى نظرة المسلمين إلى أوروبا وهذا ما قام به الدكتور خالد زيادة، فالشيء الجديد الذي أتى به الباحث والدبلوماسي أنه عاد إلى مرحلة ما قبل حملة نابليون على مصر عام 1798، فوجد أن الأتراك العثمانيين بدأوا قبل ذلك بقرن من الزمن، يتصلون ويتأثرون بما لدى الأوروبيين من تقنية وأفكار، وهذا ما عالجه في كتابه «اكتشاف التقدم الأوروبي» الصادرعام 1981.

تميزت محاولة الدكتور زيادة في طبعته الحديثة 2017 «المسلمون والحداثة الأوروبية» بأنها موضوعية أولاً، وتتبع بداية تكوين نظرة إسلامية عن أوروبا والعودة إلى الأصول ثانياً، لكن كيف نظر إلى الطرفين؟ يوضح د. خالد بقوله «ليس ثمة تكافؤ بين نظرة المسلمين إلى أوروبا، ونظرة أوروبا المسيحية إلى الإسلام، لم يحدث أن طابق المسلمون بين المسيحية وأوروبا إلا في الحقبة العثمانية، وبمعنى أدق، اكتشف العثمانيون هوية أوروبا المسيحية في زمن شهد تغليب النظرة الواقعية والمصالح على العداء المطلق».

Ad

وما توصل إليه من نتائج، أنه حدث تغير جذري في العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي، فمن جهة انحسر تأثير أفكار التنوير والأيديولوجيات القومية والاشتراكية ذات المصدر الأوروبي، ومن جهة أخرى تخلى الغرب عن دعوته العالمية، وينتهي به الأمر للقول «لم يعد لأوروبا ما تقدمه».

لقد تبدلت علاقة العالم الإسلامي بالغرب، وتبدل العالمان، وكانت الحداثة العربية غير المنجزة أصلاً ضحية هذا التبدل وأوروبا والغرب ما عادا يكترثان بأن يكونا مثال الحداثة العالمي، وما عادت حركات الإسلام السياسي تحظى بغير العداء في الغرب.

ولذلك يعتقد صاحب المؤلفات العميقة والمتنوعة التي تزيد على خمسة عشر كتاباً، أنه إذا كانت أوروبا قد انكفأت على ذاتها وفقدت أفكارها الكبرى وتأثيرها الكوني، وبرزت فيها التيارات الشعبوية ذات التنوع العنصري، فإن القيم التي أطلقتها، انفصلت عن تاريخيتها، ومن هنا يترتب على العرب للخروج من حالة التردي، تبنى القيم التي تبنتها شعوب العالم، وأولها الحرية.

يعترف الدكتور زيادة أنه يرصد النظرة إلى أوروبا في النصوص لا في الوقائع، وهناك جملة من الخلاصات أوضحها في كتابه الثالث «لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب» في معرض قراءته للمشهد السياسي العام وثورات عام 2011، أن هذه الثورات استهدفت أنظمة استخدمت الأيديولوجيا القومية وشعارات الوحدة وتحرير فلسطين من أجل إعاقة أي مطلب يتعلق بالحرية والديموقراطية، فالتحرر كما يراه اليوم ليس من الاستعمار، بل من الأنظمة الأحادية، في الوقت الذي لم تعد أوروبا مصدراً لأفكار كبرى، ولم يعد لديها ما تقدمه للعرب، و«ثورات العالم العربي» الراهنة ترفع شعار قضايا العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية.

ومن وجهة نظره أن حضور الإسلام السياسي في المشهد العام، وتصدر الحركات الإسلامية في المجالس الانتقالية، يعوقان المسعى الذي من أجله قامت الثورات والمتمثل بإزالة الأحادية من الحكم، وتأسيس الدولة على مبادئ الديموقرطية وتداول السلطة.

إن غياب المثقف والمؤسسات الثقافية وبقايا الأحزاب في ثورات 2011 مكنت قوى الإسلام السياسي الكامنة من الظهور واعتلاء السلطة في بعضها، ومن موقعه كباحث متمكن وأستاذ جامعي حرص في إصداره هذا على التمييز بين ما يعرف ب «قائمة المحتويات» للكتاب وبين «الفهرس العام»، أي الببليوغرافيا وهو عمل مضنٍ ومفيد جداً في الوصول إلى ما يريده القارئ، وهو عبارة عن دليل أو «مفاتيح مقننة» لكل الأفكار والموضوعات والأماكن والبلدان والشخصيات التي وردت في النص.