آثار مملكة «سبأ» اليمنية.. حضارة في مهب الاندثار وجهود دولية لحمايتها
أصبحت آثار حضارة مملكة سبأ أكثر عرضة للتهديد والخطر وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» ما يتيح لها الحصول على دعم دولي لحمايتها من التدمير والاندثار.
وكانت منظمة يونسكو أعلنت في 25 يناير الماضي في بيان صدر عن دورتها الاستثنائية التي عقدت في باريس برئاسة السعودية إدراج آثار حضارة مملكة سبأ القديمة بمحافظة مأرب اليمنية والتي تعود إلى القرن الـ11 قبل الميلاد في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر جراء النزاع الدائر في البلاد.
وقال وزير الإعلام والثقافة اليمني معمر الأرياني في تصريح صحفي «إن هذا القرار جاء نظراً للأهمية التاريخية لآثار مملكة سبأ في مأرب وما تتمتع به هذه المواقع من الأصالة والتفرد».
وأضاف أن «القرار نص على حث الحكومة اليمنية على دعوة مجموعة من الخبراء لدراسة حالة الموقع ورفع تقارير فنية للجنة التراث المادي وتوفير الموارد لحمايته وإدارته».
من جانبها، أوضحت المندوبية الدائمة للجمهورية اليمنية لدى «يونسكو» في بيان أن «هذا الإنجاز الكبير يُعد شاهداً على عمق وأصالة وعالمية القيم الحضارية التي مثلتها مملكة سبأ القديمة بما تحتويه من أهمية عالمية استثنائية كما يُعد تقديراً من أعلى هيئة ثقافية عالمية لتاريخ اليمن وحضاراته القديمة».
ومعالم مملكة سبأ هي ممتلكات متسلسلة تشمل سبعة مواقع أثرية تشهد على المملكة الغنية وعلى إنجازاتها المعمارية والجمالية والتكنولوجية من الألف الأول قبل الميلاد حتى وصول الإسلام قرابة عام 630 ميلادي.
وشمل القرار مدينة مأرب القديمة وسد مأرب القديم بملاحقه ومعبدي «أوام» و«بران - عرش بلقيس» ومعبد ومدينة «صرواح».
وأوضحت «يونسكو» أن موقع «سبأ» يقدم دليلاً على الإدارة المركزية الشديدة التعقيد لهذه المملكة عندما كانت تسيطر على جزء كبير من طريق البخور الذي يعبر شبه الجزيرة العربية وكان لها دور في شبكة التبادل الثقافي الأوسع نطاقاً التي عززتها التجارة مع حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا.
وبينت أن هذا الموقع يتوسط مناظر طبيعية شبه قاحلة تتألف من وديان وجبال وصحارى كما يضم بين جنباته بقايا مستوطنات حضرية واسعة ومعابد ضخمة وأسوار المدينة ومبانٍ أخرى.
وأشارت إلى أن نظام الري في «مأرب» التاريخية يظهر التقدم التكنولوجي في مجال الهندسة المائية والزراعة الذي وصل إلى درجة لم يكن لها مثيل في جنوب شبه الجزيرة العربية التاريخية مما أتاح إنشاء أكبر الواحات الاصطناعية القديمة.
ويعد عرش بلقيس أو معبد «بران» الموقع الأثري الأشهر بين آثار مملكة سبأ اليمن حيث يقع في بداية صحراء الربع الخالي من الجهة الغربية وتقول المصادر التاريخية إنه بني في عهد الملكة بلقيس التي حكمت مملكة سبأ في القرن العاشر قبل الميلاد.
وكان المعبد مغطى بالرمال حتى عام 1988 حين أزيحت الرمال لتكشف عن وحدات معمارية مختلفة ومتناسقة يتقابل فيها المدخل الرئيسي والساحة مع الدرج العالي وأهم هذه الوحدات هو ما يعرف بـ «قدس الأقداس» والفناء الأمامي وملحقاتهما مثل السور الكبير المبني من الطوب ومنشآته.
وتُعد الأعمدة الستة المزخرفة من أبرز معالم المعبد ويبلغ ارتفاع كل عمود من العمدان الخمسة المكتملة 12 متراً وتزن حوالي 17 طناً.
وتُشير المعلومات إلى أن بداية معبد «أوام» تعود إلى القرن العاشر الميلادي حيث عهد الملك السبئي «المكرب يدع آل ذرح بن علي» ويُعد من أقدم المعابد في شبه الجزيرة العربية ويقع في إطار مدينه مأرب القديمة وظل مكاناً مقدساً تُمارس فيه العبادات إلى بداية النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي.
ويتكون المعبد من سور مبني بالأحجار المزخرفة بنقوش وخطوط «المسند» ويتوسطه فناء طوله 52 متراً وعرضه 24 متراً وضعت فيه ثمانية أعمدة ويقع مدخله في الجهة الشمالية الشرقية.
وفيما يتعلق بسد مأرب العظيم الذي يُعد إحدى العجائب الهندسية في العالم القديم إذ يعود بناؤه إلى الألفية الأولى قبل الميلاد تُشير المصادر التاريخية إلى أن السد شيد في الصحراء حول «مأرب» لتبنى حوله وفي محيطه أكبر مدن شبه الجزيرة العربية في ذلك الزمن.
ويبلغ ارتفاع الجدار الساند للسد نحو 15 متراً ويمتد بناؤه القائم على الحجر والطين والحديد مسافة 650 متراً وله منافذ تفتح وتغلق حسب الحاجة لتصريف المياه لري الأراضي الزراعية وذلك ما جعله مؤهلاً لاحتواء مياه السيول التي حولت موطن «سبأ» إلى جنة أو جنتين.
وتهدد الحرب القائمة في اليمن آثار مملكة سبأ التاريخية التي لم يكتشف كثير من معالمها بالدمار فضلاً عن عوامل طبيعية وبشرية أخرى وذلك ما جعل الحكومة اليمنية تعمل على إعداد ملف متكامل عن آثار المملكة القديمة التي شكلت إحدى أعرق الحضارات القديمة أملاً في الإسهام العالمي بحماية هذه الآثار.
وبصدور قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» الأخير تصبح حماية آثار مملكة سبأ اليمنية مسؤولية مشتركة بما يمنحها إمكانية الحصول على مساعدة دولية معززة على الصعيدين التقني والمالي والمساعدة في حشد جهود المجتمع الدولي بأكمله من أجل حماية المواقع والعمل على استمرار بقائها.