من صيد الخاطر: «حَالُ الْجَرِيضِ دُونَ اْلقَرِيضِ»
«حَالُ الْجَرِيضِ دُونَ اْلقَرِيضِ»، مثل عربي يقال لمن تحقق له مراده أو ما كان يطمح إليه بعد عناء ومشقة ولكن بعد فوات الأوان، فقُصد بالجريض هنا الشعور بالغصة بعد أن ضاعت الفرصة، فالجرض هو الريق يُغص به، فيقال فلان جَريض بريقه، أي أن يغص بريقه على هم وحزن، وأيضا يقال مات فلان جريضاً أي مغموماً، أما القريض فهو قرض الشعر، ووراء هذا المثل قصة.
فقائل «حَالُ الْجَرِيضِ دُونَ اْلقَرِيضِ» شاب يقال له حابس بن قنفذ الجزري قد نبغ في الشعر، إلا أن أباه قنفذ الذي عرف عنه أنه أشعر قومه نهاه عن قرضه، وحتى عن إلقائه والتفوه به، خوفا وغيرة من أن يتفوق عليه، فضاق صدر الابن واغتم وحزن على ما أمره به والده بتركه قرض الشعر، حتى أنه مرض حتى أشرف على الهلاك.
رأى الأب ما حل بابنه من سقم فرقّ عليه قلبه، وأذن له أخيراً وهو على مضض في قول الشعر، فرد عليه ابنه قائلا، إذ ما عاد قادراً ولا راغباً في نظمه، وبعد أن أشرف على الهلاك: «حَالُ الْجَرِيضِ دُونَ اْلقَرِيضِ»، وهو شبيه بالمثل القائل: «إذا فات الفوت ما ينفع الصوت».
وهذه هي سنّة الحياة على الأفراد والأمم، فالكل تمر به وعليه فرص إن لم تستغل في حينها ضاعت عليه ولم يعد بالإمكان تعويضها، وكانت خسارتها فادحة لا يمكن استردادها، فكم من فرص ضاعت على بلادنا لم تستغل، أو تم التهاون بها وكانت النتيجة الخسران المبين.
ملحوظة: منقولة من التراث بتصرف.