استراتيجية خلط الأوراق إلى متى؟
هناك من يتعمد خلط الأوراق وإذابة الألوان ببعضها بحيث تتمازج المتناقضات فلا نميز بين الصواب والخطأ، والحق والباطل، والجميل والقبيح.
يقول الحق جل في علاه «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ». هؤلاء الذين يمارسون الخلط هم أخطر أعداء المجتمع، خصوصاً حين تعجب الجماهير أجسامهم وأقوالهم ويتصنعون باحتراف الغيرة والغضب بالحق وعلى الحق، وفي الحقيقة يسمع الإنسان البصير والخبير قهقهة نفوسهم الخبيثة المُستعبَدَة للمال، والتي لا تسعى بطبيعتها إلا للشر خدمةً لمصالحهم المتدنية وعينهم مسمَّرَة على شفتي من يغدق عليهم المال لانتزاع ابتسامة رضا منه عليهم وعلى ما يعملونه. كان آخرهم أصحاب المقولة المتهافتة بأن المواطن ضائع بين حكومة تتهم المجلس بالتعسف في استخدام الحق الدستوري لممارسة الاستجواب، وبين مجلس يتهم الحكومة في التقصير، والنتيجة، كما يقول، أن الحق ضائع بين الحكومة والمجلس، وهي مقولة بطبيعة تركيبها قابلة للانتشار السريع في أوساط الغوغاء.
وبأدنى وعي نعلم كما قال الأعضاء الشرفاء كالنائبين عبدالله المضف وسعود العصفور بأن الحكومة غير مرتبطة بالشروع في الإنجاز ووضع البرامج والسياسات وتنفيذها بالمجلس إلا في حالات نادرة تحتاج فيها من المجلس إلى تشريع قوانين يتطلبها تنفيذ أحد المشاريع، وبجردة بسيطة لكل المشاريع الحيوية وحلول المشكلات التي تشكل مطالب الناس تتطلب قرارات تنفيذية من الوزارات المختصة، ولا تتطلب تشريعات من المجلس على الإطلاق، وإلا ما علاقة مجلس الأمة بتأخير حل أزمة السكن، وتنفيذ برامج الخصخصة، والتوزيع النقدي للدعوم؟ وما علاقة مجلس الأمة بتطاير الحصى وانتشار المخدرات وتزايد وفيات حوادث المرور؟ وهل للمجلس علاقة بخلل التركيبة السكانية وزحمة الشوارع وغياب شبكة مواصلات حديثة... إلخ؟
المسؤولية كلها تتحملها الحكومة لأنها لا تملك رؤية ولا أولويات تتصل بهموم المواطن ومصالحه، كما قال النائب الفاضل عبدالله المضف في برنامج الحوار السياسي بأن أولوية الحكومة بعيدة عن رغبات الناس وحاجاتهم، فكانت أولوياتها استعجال تنظيم السجون، ومشروع قانون بشأن المختارين، وشركة الأمن والحراسة، هل هذه من أولويات الناس؟ إنها حكومة تفتقد للحس السياسي العالي واستشعار رغبات وحاجات الناس وجعلها في قلب أولوياتها ونشاطها.
أخيراً لا بد أن تقوم القوى الحية بتأصيل الوعي السياسي وتحصين هذا الوعي بنشر مقولات ذكية تأكل وتلقف ما يصنعه سحرة منصّات التضليل السياسي ومشعوذوها، ويكون ذلك في وضح النهار وبلا كلل.