بين نجاح الفرد والعمل المؤسسي
باعتقادي أن الكويت ما زالت جميلة ورائدة، وأننا بخير رغم بعض المشكلات الموجودة في كل مجتمع، أو على الأقل نستطيع القول إن لكل مجتمع مشكلاته بدءاً من الدول الحضارية وصولا إلى الدول المتخلفة، وهذه المشكلات سببها قلة الوعي والتجربة التي تصنع مجتمعا مؤهلا لمواجهتها، وما أعنيه هنا قلة الوعي المجتمعي بثقافة العمل المؤسسي والجماعي لا ثقافة العمل والإنجاز الفردي، تلك الثقافة المسيطرة علينا منذ عقود.
فالعمل الجماعي الكويتي نراه في الأزمات يبهر العالم دائما، لكنه لا يظهر أيام الرخاء ذلك أننا نفتقد الرؤية التي تكفل العمل الجماعي! وهذا ما رأيناه في تاريخ المبدعين في الكويت، حيث ينقطع الإبداع بعد انقطاعهم لكونها إنجازات فردية، لذلك فإن الثقافة الجماعية المؤسسية ما زالت متأخرة ولم تتطور بشكل كبير منذ استقلال الكويت، كما تطورت الثقافة الفردية التي صار يشار لها بالبنان.
والدليل على ذلك أن المبدع لدينا يخرج ولا يجد الدعم، حيث يعمل بشكل فردي ثم يرحل ولا يظهر مبدع غيره، أو بالأحرى لا يستمر الإبداع الذي كان يعمل به، وما تمر به الكويت في سنواتها الأخيرة وصولا إلى يومنا هذا أمر طبيعي جدا، لأنها في بداية قفزتها مطلع الخمسينيات من القرن العشرين تجاوزت مراحل من خلال قفزات سريعة أدهشت العالم حولها، وصاحب ذلك بعض الخوف والقلق بشأن ضعف الرؤية الجماعية والعمل المؤسسي كما هي حال الدول المتقدمة، لذلك كان هذا النجاح قائما من خلال إطار معين دون وجود خبرات وخريطة طريق واضحة تكفل عملية الإبداع المستمر.
ومن يتأمل ثقافة مجتمعات العالم بشكل فردي يجد الفرد الكويتي فعلا قد تجاوز مستويات كبيرة جدا، والذي أعتقده هو نتاج عمل حكومات الكويت السابقة في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، التي ركزت على صناعة فرد مثقف ونجحت في ذلك، أما الحكومات الحالية فأعتقد أنها تعمل جاهدة على صناعة ثقافة مؤسسات ذات عمل جماعي مؤسسي.
ولكن ما زال ينقصنا الكثير من التجارب، ونحن بحاجة لإخلاص الحكومات الحالية وتفانيها وسعيها نحو الثقافة الجماعية، ثقافة المؤسسات، دون اعتماد الفرد على نفسه في العطاء والإبداع، فالمبدعون لدينا يعانون بسبب فقد ثقافة العمل الجماعي، وما زالوا يعتمدون على أنفسهم في عمل هو بحاجة إلى دعم دولة المؤسسات لاستكمال مسيرة الإبداع والعطاء.