منذ إعلان الحكومة المصرية تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016، دخل البنك المركزي المصري في حرب شرسة مع التضخم وارتفاعات الأسعار، لتستمر الحرب على مدار السنوات السبع الماضية، والتي غالبا ما تنتهي بانتصار إجراءات البنك المركزي والعودة بمعدلات التضخم إلى مستهدفات الحكومة المصرية وربما أقل منها.
نوبات كثيرة من الشد والجذب خلال السنوات الماضية، فحينما قرر البنك المركزي المصري بدء تحريك أسعار الصرف للوصول إلى السعر العادل لصرف الدولار مقابل الجنيه، ووضع سعرا استرشاديا عند مستوى 13 جنيها في أول نوفمبر 2016، تبع ذلك بلوغ التضخم أعلى مستوى في تاريخ مصر، وسجل المعدل مستوى 34.2% في منتصف 2017.
وتزامن ذلك مع ارتفاعات متتالية بأسعار صرف الدولار، والتي سجلت في السوق الرسمي مستوى 19.60 جنيها، لكن في الوقت نفسه تمكن البنك المركزي المصري من السيطرة على تجارة العملة، ووجه عدة ضربات للتجار والمضاربين، وانتهت الأزمة بعودة أسعار صرف الدولار إلى التراجع لمستوى 15.77 جنيها.
وعلى الرغم من بلوغ معدل التضخم مستوى يتجاوز 34% في منتصف عام 2017، لكن البنك المركزي المصري لم يتدخل ويعلن رفع المعدل المستهدف إلى أكثر من 7%، وهو نفس الرقم المستهدف في الوقت الحالي، على الرغم من موجات التضخم التي تضرب أكبر اقتصادات بالعالم، ودفعت السوق الأميركي، وهو أكبر اقتصاد بالعالم، إلى أن يسجل التضخم أعلى مستوى في 4 عقود.
كيف تطور معدل التضخم في مصر منذ 2016؟
البيانات التي جمعتها «العربية.نت» تشير إلى أن البنك المركزي المصري، وعبر الإجراءات التي يمتلكها، تمكن من النزول بمعدل التضخم من مستوى 34.2% في منتصف عام 2017 إلى نحو 17.6% في فبراير 2018.
ثم واصل معدل التضخم تراجعه ليسجل نحو 10% في فبراير 2019، ووصل إلى مستوى 4.9% في فبراير 2020، لكن مع دخول العالم في أزمة كورونا وبدء الحكومات في الإنفاق بسخاء على القطاع الصحي وما تبع الجائحة من تداعيات قاسية، فقد عاد التضخم إلى الارتفاع في السوق المصري ليسجل نحو 10% في فبراير 2021.
لكن مع الإجراءات التي أعلنتها الحكومة المصرية، فقد تمكنت من السيطرة على معدل تضخم عند مستوى 10% في فبراير 2021، ثم واصل المعدل نزوله ليسجل مستوى 8.8% في فبراير من العام الماضي.
لكن مع سلسلة الأزمات التي ضربت أكبر اقتصادات العالم منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، وما تبعها من ارتفاعات متتالية بأسعار الطاقة والغذاء، إضافة إلى عودة الحكومة المصرية لتنفيذ إصلاحات اقتصادية جديدة، ومع استمرار الحكومة في الإنفاق الضخم على المشاريع القومية، فقد عادت الحرب لتشتعل بين البنك المركزي المصري ومعدلات التضخم ليسجل المعدل مستوى 26.5% خلال شهر يناير الماضي.
وعبر العديد من الإجراءات التي أعلنها البنك المركزي المصري منذ اندلاع أزمة الدولار في مارس من العام الماضي، فقد تجنبت مصر العودة إلى معدلات التضخم السابقة التي سجلتها في منتصف 2017، واعتمد «المركزي» على العديد من الإجراءات التي جاء على رأسها زيادة الاحتياطي الإلزامي للبنوك من 14% إلى 18%، إضافة إلى السماح للبنوك بتحريك أسعار الصرف وفق العرض والطلب، وهو المطلب الذي شددت عليه بنوك استثمار عالمية وصندوق النقد الدولي، ونجحت الحكومة المصرية في تنفيذه خلال الفترة الماضية.
تضخم غير مسبوق بأكبر اقتصادات العالم
وفي الوقت الذي تجتاح موجة تضخم غير مسبوقة غالبية دول العالم، ورغم أزمة جائحة كورونا، وارتفاع أسعار السلع والطاقة عالميا، فقد حافظت مصر خلال 2021 على معدلات التضخم ضمن النطاق المستهدف من البنك المركزي، بفضل برنامج الإصلاح الذي عزز معدلات التنمية ورفع مستوى معيشة المواطنين.
وكانت مصر الدولة الوحيدة التي حققت تراجعا متتاليا لمعدل التضخم على مدار أربع سنوات، وهو أكبر انخفاض للتضخم بالأسواق الناشئة، بمقدار 19 نقطة مئوية عام 2020-2021 مقارنة بعام 2016-2017، حينما سجل مستوى قياسيا عند 23.5% آنذاك.
وضرب التضخم أقوى اقتصادات العالم خلال العام الماضي، وسجل الاتحاد الأوروبي أعلى مستوى للتضخم في تاريخه عند 4.9% خلال نوفمبر الماضي، ووصل في الولايات المتحدة إلى مستويات 1982، عند نحو 6.8%، وفي ألمانيا بلغ مستويات 1992، وسجل 5.2%، وفي المملكة المتحدة سجل 5.1% وهو أعلى معدل في 10 سنوات.
في البيان الأخير للجنة السياسة النقدية في مصر، كشف البنك المركزي المصري أنه من المتوقع أن يتخطى المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر مستواه المستهدف والمعلن عنه مسبقا من قبل البنك المركزي والبالغ (7%± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، مشيرة إلى تزايد الضغوط التضخمية من جانب الطلب في الآونة الأخيرة، وهو ما انعكس في تطور النشاط الاقتصادي الحقيقي مقارنة بالطاقة الإنتاجية القصوى، وفي ارتفاع أسعار العديد من بنود الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، وفي زيادة معدلات نمو السيولة المحلية.
وتأكيداً على التزام البنك المركزي بتحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط، وبالتوازي مع إعلان البنك المركزي سابقا عن استهداف معدلات تضخم على مسار نزولي، فقد تم تحديد معدلات التضخم المستهدفة خلال الفترة القادمة عند مستوى (7%± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى (5%± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.
وأكدت لجنة السياسة النقدية أن المسار المستقبلي لمعدلات التضخم يعتمد على الزيادات التراكمية لأسعار العائد إلى تاريخه، والتي تستغرق وقتا للتأثير على معدلات التضخم.