يوم الصناعة والتنمية المستدامة وديوانية السفارة اللبنانية والأعياد الوطنية
في باكورة الشهر الجاري نظّمت مجموعة من مجالس الأعمال المرتبطة ببعض سفارات الدول الصديقة لدولة الكويت «يوم الصناعة» الذي تخلله منتدى تحدث في بدايته الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية عارضاً أبرز محاور رؤية الكويت التنموية وما تتضمنه من فرص استثمارية في مختلف القطاعات وفي القطاع الصناعي ضمناً، وعقبه في الحديث عدد من السفراء والقائمين بأعمال سفارات بلادهم. ولم يكن مستغرباً أن تكون الخطوط العريضة لمداخلة الدكتور خالد مهدي منطلقة من رؤية الكويت 2035 «كويت جديدة» وملخصها المعروف «تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار، يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي، وتشجع فيه روح المنافسة وترفع كفاءة الإنتاج في ظل جهاز دولة مؤسسي داعم، وترسخ القيم وتحافظ على الهوية الاجتماعية وتحقق التنمية البشرية والتنمية المتوازنة، وتوفر بنية أساسية ملائمة وتشريعات متطورة وبيئة أعمال مشجعة». كما لم يكن مفاجئاً، وربما كان واجباً، استعراض الوجه المشرق لدولة الكويت والجاذب للاستثمار بكل أنواعه، بما تتمتع به من موقع جغرافي على تخوم الشرق وضفاف الخليج العربي، مع سعيها الدائم- وفق المفردات التنموية المستخدمة عادة- إلى تعزيز مكانتها الدولية المتميزة، وتطوير بنيتها التحتية، والاستفادة من إبداعات رأس مالها البشري، وحوكمة القرار والعمل المؤسساتي فيها، والاستخدام الأمثل لمواردها الطبيعية، تكريساً لاقتصاد متنوع وبيئة صحية ومعيشية مستدامة.
وبدورها أتت مداخلات الدبلوماسيين المشاركين على مستوى ما تفترض وظائفهم من لياقة ومهنية وحرص على تعزيز العلاقات الثنائية والتأسيس على ما هو موجود من روابط سياسية واقتصادية للانطلاق الى مزيد من الشراكات الاستثمارية وتنفيذ المشاريع التنموية والصناعية بمساهمات القطاع الخاص في بلدانهم.
الى هنا كل شيء يسير في سياقه التقليدي الطبيعي، الى أن التفت إليّ أحد الأجانب الحاضرين ليباغتني بالسؤال: ألم تلاحظ اتساع المسافة بين الواقع والمأمول؟ فكان جوابي صمتاً وإرباكاً! ليس لشيء إلا لأني مثل جميع الكويتيين والمحبين للكويت ندرك بغصّة أن التنمية في هذا البلد العزيز ما زالت في طورها الجنيني وهي تنتظر مخاض الولادة التي لا يسرّ أن تكون متعسرة أو متأخرة.
لا يمكن في عجالة بعض الأسطر تكرار ما نعرفه جميعاً عن المقومات الكثيرة المتوافرة للتنمية المستدامة في الكويت، كما قد يكون مملاً استذكار التحديات والعراقيل السياسية والاقتصادية والإدارية والمالية والاجتماعية والنفسية التي تعوق قطار الازدهار، رغم الحرص الجماعي المعلن على تحقيقه، ورغم وجود بعض المحاولات الجدّية والواعدة.
إلا أنه قد يكون مفيداً التذكير بأن الانطلاق في التنمية لا يجوز تأخيره، كما أن الحرص على استكمال مسارها لم يبق خياراً بل أصبح واجباً، وبخاصة أن تحقيقها ليس مستحيلاً، فما لدى الكويت وشعبها القادر والطموح يمكّن من إنجاز المدهشات بغضون أشهر لا سنوات.
إن مناخات الحرية الفردية والسياسية، وأجواء المنافسة الاقتصادية، وموجبات الرفاهية المجتمعية لم تكن يوماً عائقاً أمام خير البلدان وصلاح المجتمعات، لكن سوء استخدامها من بعض المتمصلحين للتأزيم والتعطيل وتغليب المصالح الذاتية الضيقة على المصلحة الوطنية العامة يفتح الأبواب على كثير من احتمالات الفشل الجزئي أو الشلل الكلي.
الكويت التي نحب والتي نتطلع الى رفعتها، تحتاج وقفة ضمير نجيب من خلالها على الأجنبي السائل، بثقة حقيقية لا بحماسة عاطفية، بأن كلاً منّا- أفراداً وجماعات، ومواطنين وقيادات، وكويتيين وجاليات- قدّم للكويت ما تستحق من وفاء وتضحيات وعطاء وواجبات، وأنه سيشارك في تنميتها المستدامة بكل ما يستطيع أن يقدم وبما تقتضيه المصلحة العامة التي تنطوي بشكل تلقائي على مصلحته الخاصة ومصلحة من سيسقى من بعده من بئر هذا البلد المعطاء والجواد.
وفي سياق الحديث عن السفارات والارتباط الوجداني بالكويت وأهلها، يحسب للقائمين على سفارة لبنان ولمجلس الأعمال اللبناني فيها، مبادرتهم الى افتتاح «ديوانية السفارة اللبنانية في الكويت»، والتي- بحسب ما صرّح به القائم بأعمال السفارة أحمد عرفة- تعبّر عن «خلاصة التقاء الشعبين اللبناني والكويتي على كثير من القواسم المشتركة وفي مقدمتها عراقة الديموقراطية، وأصالة التقاليد، وحفاوة الاستقبال، وثقافة المشاركة والنقاش واحترام الآراء...».
فانطلاقاً من حرص الجالية اللبنانية وممثلي لبنان الرسميين على التقرب الحقيقي من المجتمع الكويتي واحترام عاداته والتمثل بموروثاته الشعبية التي تعكس ما جبل عليه أهل الكويت من أصالة وقيم تتجسد بلقاء دوري في ديوانية يستعرض روادها الأحوال، ويصنعون في أحاديثها اتجاهات الرأي العام، ويستذكرون في مجالسها عراقة الماضي المؤسس لإشراقة المستقبل، حرصت سفارة لبنان في الكويت على تحويل «قاعة لبنان» الى ديوانية يلتقي فيها اللبنانيون شهرياً بأحبائهم الكويتيين وأصدقائهم من مختلف الجنسيات، وذلك في أحد أرقى المحافل الاجتماعية التي عرفتها الأصالة العربية وتمسك بها المجتمع الكويتي.
لا شك أن بين لبنان والكويت كثيراً من نقاط التشابه والتلاقي، ولا غرو أن بين المجتمعين وفيراً من العلاقات المتينة والصداقة المتجذرة عمقاً وتاريخاً، وليست مفاجأة حقيقة أن تجربة أي من المجتمعين المتشابهين في التركيبة والواقع والطموحات هي، بسيئاتها وحسناتها، أمثولة حيّة أمام الشعب الشقيق الآخر.
ولعلها فرصة أن تؤدي «ديوانية السفارة اللبنانية» دوراً فيما قد نسميه «الدبلوماسية الشعبية» حيث تشكل فرصة لتشاور الأصدقاء والشركاء- على المستوى الشعبي لا الرسمي- في شأن كثير من القضايا التي تقع في صلب الاهتمامات المشتركة للشعبين الشقيقين اجتماعياً، وثقافياً، واقتصادياً، وتجارياً، وسياحياً، وفنياً وربما رياضياً، والأهم من كل ذلك تنموياً، حيث يؤكد الواقع والقيمون على سفارة لبنان في الكويت أن الرد الطبيعي للمعروف الكويتي العميم هو الجاهزية الدائمة والاستعداد التام من قبل الكفاءات اللبنانية للمساهمة في بناء مستقبل الكويت المشرق كما كان لأسلافهم بصمة في إشعاع ماضيها الحضاري.
في الكويت لا يليق إلا المجد، وفي موسم أعيادها الوطنية لا يقال فيها أبلغ مما أنشده «الأخوان الرحباني» على لسان جارة القمر «فيروز»:
العيدُ يروِي ويروِي سَناها يلثمُ منها المُحيّا
غنِّ الكويتَ وِّغن عُلاها ويومَها الوطنيا
بين الكويت وأرض بلادي يا طِيبَهُ من ودادِ
نحن وإيّاكُمُ في الجهاد نبني المصيرَ الأبيّا
* كاتب ومستشار قانوني