في حين تهدد الخلافات والصراعات المسيحية في لبنان بإجهاض اجتماع بكركي ليعود ملف رئاسة الجمهورية الى قاعة الانتظار بحثا عن كلمة سر خارجية، شهدت الأيام الماضية استغلالاً لبنانياً سياسياً للزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسورية في أكثر من اتجاه.
هذا الاستغلال لا يقتصر فقط على سعي قوى سياسية لاسيما «حزب الله» إلى توسيع واستكمال تطبيع العلاقات بين بيروت ودمشق، بل إن الحزب نفسه لديه أجندة خاصة في شمال سورية، في حين يتنافس حلفاؤه المسيحيون حول من يستميل النظام السوري إلى جانبه في معركة رئاسة الجمهورية.
ذلك التنافس على التقارب مع الرئيس السوري بشار الأسد، ظهر للعيان بين رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. فالأول غرّد متضامناً مع سورية مختصراً الزلزال بأنه استهدفها ودعا العالم إلى رفع الحصار الذي يتعرض له الشعب السوري. بينما الثاني غرّد معزياً ضحايا البلدين بدون ذكر سورية أو تركيا، وهي نقطة حاول باسيل استغلالها ضد فرنجية بأنه لم يأت على ذكر دمشق نزولاً عن حساباته كمرشح لرئاسة الجمهورية. وسرعان ما ردت المصادر القريبة من فرنجية بتسريب أخبار عن اتصال تعزية أجراه فرنجية بالأسد.
يعطي هذا النوع من التنافس والتسريبات المضادة صورة عن الاهتمامات اللبنانية، التي يسعى كل طرف من خلالها الى استغلال كارثة طبيعية لتجييرها سياسياً لمصلحته، ومن بين أشكال هذا الاستغلال شن حملة واسعة من «حزب الله» وحلفائه حول ضرورة رفع الحصار عن سورية وإسقاط قانون قيصر لإيصال المساعدات، رغم أن المواقف الدولية ولاسيما الموقف الأميركي كان واضحاً في أن عقوبات قانون قيصر لا تشمل تقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية.
في الوقت نفسه يستعد «حزب الله» لإرسال قوافل مساعدات وفرق اغاثة تابعة له للمشاركة في عمليات الإنقاذ في سورية، وسيسعى الحزب من خلال ذلك للدخول إلى مناطق الشمال السوري وخصوصاً المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، في حين لم تعد تركيا قادرة على تقديم المساعدات في هذه المرحلة في ظل انشغالها بالكارثة التي لحقت بها.
وقد أظهرت الزيارة التفقدية لقائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني العميد إسماعيل قآني الى المناطق السورية المنكوبة مؤشرا واضحاً لنوايا ايران وحلفائها لاستغلال الزلزال لإحداث تغيرات سياسية أساسية على الجغرافيا السورية.
في المقابل، فإن السباق بين باسيل وفرنجية لكسب ودّ دمشق ليس الحراك الوحيد على الساحة المسيحية المنقسمة حول استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فهناك محاولات حثيثة من كل الاطراف لوضع شروطها بخصوص اجتماع بكركي الذي يفترض أن يضم كل النواب المسيحيين ويبحث الملف الرئاسي.
وبينما يتحضر البطريرك الماروني بشارة الراعي لتوجيه الدعوات للنواب المسيحيين وكتلهم، فإن «القوات اللبنانية» لا تزال تفضل وضع جدول أعمال واضح للاجتماع كي يخرج بنتيجة، ومن بين المقترحات القواتية أن يلجأ النواب المسيحيون الذين يشكلون نصف البرلمان (64 نائباً) إلى تصويت داخلي على المرشحين الرئاسيين ومن يفوز بالتصويت يتم تبني ترشيحه للرئاسة. ويصطدم هذا الطرح برفض باسيل، في حين يهدد تصاعد الخلافات بإجهاض الاجتماع أو إفراغه من مضمونه، ليبقى اللبنانيون بانتظار كلمة سر خارجية.
الصراع المسيحي- المسيحي يتجلى أيضاً بين «القوات» و«التيار» حول الجلسة التشريعية التي سيعقدها مجلس النواب في ساحة النجمة، إذ تتمسك «القوات» برفضها المشاركة في ظل الفراغ الرئاسي، بينما يبدو باسيل مستعداً للمشاركة إذا حصل على الثمن السياسي المناسب، خصوصاً لجهة المطالبة بالتمديد لعدد من موظفي الفئة الأولى. ويبقى الهدف الأساس بالنسبة إلى باسيل هو انتهاز أي فرصة بما في ذلك الجلسة التشريعية للتفاوض على الملف الرئاسي على قاعدة استبعاد سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزيف عون من قائمة المرشحين والذهاب باتجاه مرشح ثالث.