بداية، قال المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبدالحميد العوضي، إن الاهتمام بالصناعات البتروكيماوية في الكويت بدأ عام 1993 مع شركة يونيون كاربايد الأميركية كشريك أجنبي وتأسيس شركة إيكويت، حيث كانت تزود بالغاز الطبيعي بسعر زهيد لا يتعدى دولاراً واحداً فقط لكل ألف قدم مكعبة، رغم شح إنتاجه، بينما كان يباع لوزارة الكهرباء بسعر السوق العالمي بنحو دولارين.

وأضاف العوضي، أن شركات أخرى تأسست، مثل الكويتية للأوليفينات وللعطريات وللستايرين، حيث تبلغ حصة داو كيميكال في كل منها 42.5%، كما استحوذت داو على حصة يونيون كاربايد، لافتاً إلى أن التوسع الاستراتيجي الخارجي بدأ مع الشريك الوحيد «داو كيميكال» عام 2004 بصفقتين، إحداهما فاشلة بتقاسم مصانع في إيطاليا وألمانيا باسم شركة أكوا بوليمرز، وخسرت الكويت كامل رأس المال المستثمر بقيمة 240 مليون دولار، واضطرت المؤسسة إلى بيع مصانع إيطاليا بخسارة كبيرة، وإلحاق مصانع ألمانيا بشركة «ام اي غلوبال» وهي شراكة ناجحة مع داو. وبين أنه مثلما كان لمؤسسة البترول استراتيجيتها كان لشركة داو استراتيجيتها التي بدأت عام 2003، وتتلخص في: إعادة الهيكلة، والتخلص من مصانع أداؤها متدن لا تحقق عوائد مرضية، والتخارج من صناعات بلاستيكية تقليدية، والاستثمار في صناعات كيماوية متخصصة تحقق عوائد أعلى، والدخول في شراكات كما حدث في الكويت، حيث باعت 92 مصنعاً وسرحت الآلاف من موظفيها ضمن خطتها قبل الصفقة، فكانت داو بحاجة إلى سيولة نقدية ضخمة لتغطية إتمام صفقة استحواذ كبيرة على شركة روم آند هاس قيمتها 18 مليار دولار، فأعطت الكويت عرضاً للشراكة في مصانع قائمة (كي - داو) عام 2007 بقيمة 16 ملياراً، وألغيت الصفقة بعد شهر من الموافقة عليها في نهاية 2008، تعادل قيمة مشروع الوقود البيئي!

جدوى الصفقة
Ad


وأوضح العوضي، أن الآراء اختلفت حول جدوى الصفقة، ولا قيمة لآراء لا تبنى على حقائق علمية اقتصادية، وكان هناك اجتماع في لندن بين ممثلي بعض البنوك الأميركية والأوروبية وبعض المسؤولين، وكانت وجهة نظرهم عدم المضي في الصفقة، والقرار الاستراتيجي الكويتي لشراء حصة 50% من مصانع تمثل ربع أصول شركة داو بقيمة تعادل القيمة السوقية لنصف إجمالي أصولها. ولفت إلى أن القرار كان أيضاً مثاراً للجدل والدهشة والاستغراب في إحدى القنوات الأميركية عندما استضافت رئيس شركة داو السابق، وما بين الحكم على القرار الاستراتيجي إن كان مثمراً أو غير مثمر والإدراك المتأخر لتصويب القرار كان سيكون خطأ كارثياً ما لم تتراجع الكويت وتلغي الصفقة، خاصة في ظروف اقتصادية عالمية متدهورة، وألغيت صفقات بتروكيماوية مثل هنتتسمان/ هيكسيون قيمتها 11 مليار دولار بغرامة 325 مليوناً، وكانت غرامة روم آند هاس 600 مليون، ومن المتعارف عليه دولياً أن غرامات الإلغاء تتراوح بين 5 و15% في صفقات الاندماج والاستحواذ والشراكة، لكن غرامة الداو بلغت 33% من قيمة الصفقة، واعتبرت أعلى غرامة مالية في تاريخ التحكيم التجاري الدولي 2.5 مليار دولار، فكيف لمسؤول يفاوض في صفقة الغرامة المالية تعادل كامل رأسمال الشركة؟

وأفاد بأنه كان شرطاً مجحفاً وغير مألوف، ويدعو للتساؤل عن دوافع تلك النسبة العالية جداً للتعويض، رغم وجود مشاريع مشتركة ناجحة مع الكويت قيمتها حوالي 4.5 مليارات دولار، مضيفاً أن داو لم تجد شريكاً آخر لتخفيف الأعباء المالية، فالشراكة لا تعني تناصف الأرباح، بل تعني أيضاً تناصف التكاليف التشغيلية، واستمرت في استراتيجيتها لتقليص أعداد العمالة وبيع مصانع إيراداتها ضعيفة، وأغلقت أخرى بعد تراكم الخسائر حتى أصبحت خاوية تذروها الرياح من كل حدب وصوب. وأشار إلى أن داو استحوذت على مصانع رووم آند هاس في 2009، ودخلت في عمليتي اندماج وانفصال مع شركة دوبونت 2017-2019، موضحاً أن أرباح الداو جاءت أغلبها من عمليات استحواذ وبيع مصانع والاحتفاظ بمصانع جيدة، بالإضافة إلى أرباح الشراكات الدولية مع الكويت ومع السعودية وغيرهما.

أرباح «الداو»

وقال العوضي، إن اعتبار أرباح الداو جاءت من 40 مصنعاً من صفقة كي-داو، وخلق 5 آلاف وظيفة للكويتيين ونقل التكنولوجيا، ذلك التفاؤل المفرط في جدوى الصفقة سيظل وهماً يلازم صاحبه ولن تقنعه نتائج كي-داو ولا نتائج مشروع الاكوا بوليمرز ولا حتى مشروع CKPC بمبينا الكندي حتى نقل التكنولوجيا لم يكن ملموساً في الشراكات السابقة التي أبرمتها المؤسسة من خلال شركاتها التابعة الأخرى مثل «كوفبيك» و«البترول العالمية». وأضاف أن «داو كيميكال» شركة كبيرة وعريقة، احتفلت مؤخراً بمرور 125 سنة على إنشائها، وتملك 104 مصانع، وعدد موظفيها 37 ألفاً، وأرباحها 6.274 ملايين دولار وفق أرقام عام 2021، بينما كانت تملك 150 مصنعاً، وعدد موظفيها 46 ألفاً، وأرباحها 579 مليون دولار عام 2008 واستفادت من أخطائها، مبيناً أن أي شركة تصر على تكرار أخطائها تمنى بالخسائر في كل خطة استراتيجية جديدة تضعها، في عام 2008 كان عدد الموظفين الكويتيين في مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها 12484، وأرباحها بلغت 2.367 مليون دينار، وفي عام 2021 بلغ عددهم 18770، وأرباحها 95 مليوناً.

ولفت إلى أن هذه أرقام لها دلالات واضحة، ولا شك في أن الشراكة العالمية تشكل محوراً مهماً لاختراق الأسواق واقتناص الحصص المؤثرة، أما الفرص الوظيفية بأعداد كبيرة للكويتيين فلا يمكن توفيرها إلا بإقامة المشاريع في الوطن وليس خارجه، وتوفر المواد الخام الأولية بأسعار تنافسية، والشريك معفى من الضرائب، بينما تدفع الكويت ضرائب على أرباحها في الخارج، كما أن تنويع الشركاء بخبراتهم المختلفة أفضل من احتكارها على شريك واحد، وأخيراً لن تجد دولة خليجية تستثمر أموالها في صفقة تضم مصانع رابحة وأخرى متهالكة بتكنولوجيا قديمة ولن تجد من يسوق لهم الوهم.

حركة التجارة

وأشار العوضي إلى أنه مما لا شك فيه أن الحرب الروسية - الأوكرانية ألقت بتبعاتها على حركة التجارة العالمية حيث تعتمد على نشاط النقل البحري والجوي والبري، مبيناً أن أسعار الشحن وتكاليف التأمين والتخزين ارتفعت فضلاً عن أن العقوبات على الاقتصاد الروسي أضافت نوعاً ما من التذبذب في أسعار النفط والمشتقات البترولية والبتروكيماوية، وبصورة عامة فإن أسعار الشحن ارتفعت من 27 ألف دولار قبل الحرب إلى 40 ألفاً بعد الحرب.

عدم توفر السيولة

من جهته، قال مدير تسويق العطريات في شركة صناعة البتروكيماويات سابقاً كمال بهبهاني، إنه بسبب عدم توفر السيولة الكافية فقد تم تأجيل الاستثمار في هذا القطاع بينما الدول المجاورة كقطر والإمارات تدور فيها عجلة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي بشكل لافت للنظر. وأضاف بهبهاني أن شركة «البتروكيماويات» ومؤسسة «البترول الكويتية» تضعان في استراتيجيتيهما خطة طموحة للنمو في هذا القطاع المهم الذي يصب نشاطه في تحقيق أهداف ورؤية المؤسسة، مما يخلق فرصاً وظيفية ويساهم في تعدد موارد البلاد.

وأشار إلى أن أكبر المتأثرين من الحرب الروسية - الأوكرانية شركات صناعة الأسمدة الكيماوية مثل سماد اليوريا الذي يصدر من ميناء يوزني وتعتبر روسيا أكبرالمصدرين لهذا السماد، اما بقية المنتجات البتروكيماوية فلم تتأثر كثيراً، لافتاً إلى أن حركة الحاويات مستمرة بشكل طبيعي.

ولفت إلى أن سلاسل التوريد تنقسم إلى قسمين، أحدهما يختص بشحن المنتجات على شكل «سائب ومكيس» في بواخر ضخمة، ومنتجات يتم شحنها في حاويات، ولعل التأثير الأكبر على بواخر الشحن من النوع الأول ذات الحمول التي تتجاوز 40 ألف طن سوبر ماكس.

إطار استراتيجي

وقال بهبهاني: «لعلنا لم نستفد كثيراً كما نتصور»، مشيراً إلى ضرورة وضع الموضوع في اطاره الاستراتيجي في تلك الفترة حيث بات هاجساً كبيراً للمهتمين بسبب الغرامة المالية التي دفعتها الكويت جراء مشروع «الداو» الذي تم الغاؤه، لافتاً إلى أنه إذا ما تم تحييد تلك الغرامة المالية فسنجد أن المشروع ذو جدوى اقتصادية متواضعة. وأشار إلى أن مشروع كيبك بمكوناته المتكاملة من شقيه الوقود البيئي والبتروكيماوي يعد مشروعاً استراتيجياً ممتازاً، مبيناً أنه من الضروري المضي قدما في بناء الشق الثاني حيث إن الدراسات رفعت من معدل المردود الداخلي IRR وكان من أهم الأسباب لبناء المشروع..

اهتمام كبير

بدوره، قال أستاذ هندسة البترول في جامعة الكويت د. احمد الكوح، إن الكويت تبدي اهتماماً كبيراً بالصناعات البتروكيماوية، ولكن الأمر بحاجة ملحة إلى تشريعات وقرارات تعمل على تسهيل التحرك بشكل قوي في هذه الصناعة، وهناك دول جارة وشقيقة تعمل بوتيرة أسرع وأفضل من الكويت في هذا القطاع، لافتاً إلى أن هذا القطاع يعد قطاعاً حيوياً وحساساً ويضيف إلى الاقتصاد الوطني كون تصدير النفط الخام لا يشكل أي إضافة. وأشار إلى أن مثل تلك الصناعة تحتاج إلى شراكات عالمية قوية «ولنا مثل قوي في شركة سابك السعودية التي شهدت تطوراً كبيراً من خلال توفير الأراضي والتمويل واللقيم اللازم لتطوير صناعة البتروكيماويات في المملكة والتي أثرت بهذه الصناعة».

ولفت إلى أن ارتفاع الأسعار الخاصة بالنفط واللقيم الخاص بتلك الصناعة سيؤثر بشكل كبير، فضلاً عن الحرب الروسية - الأوكرانية التي قامت بالضغط على أكبر الاقتصادات العالمية والشركات الصناعية الكبرى والتي تحتاج إلى الصناعات والمنتجات البتروكيماوية، التي تنتج من أجل هذه الشركات.

وأوضح أن الحظر الشامل الذي تم فرضه على تصدير النفط الروسي من أوروبا والولايات المتحدة سيؤثر بشكل كبير على المنتجات الروسية النفطية، الأمر الذي سيؤثر على قطاع الشحن البري بشكل أساسي، مما سيؤدي إلى شح تلك المنتجات في العالم.

تفادي الخطر

وحول مشروع وجدوى «الداو» فقد أوضح الكوح أنه تمت مناقشته مع جميع الأطراف، وأكد البعض أننا فقدنا الكثير، والبعض الآخر يقول إننا تفادينا خطراً كبيراً، لافتاً إلى أنه ليس في الإمكان الحكم على المشروع إلا بعد تنفيذه، موضحاً أن الشراكة العالمية بصفة عامة ستكون مفيدة ومطلوبة بكل تأكيد للنهوض بهذا القطاع الحيوي.

تكلفة البترول

من ناحيته، قال الباحث النفطي أحمد كرم: إن ما يفرق على سعر تكلفة البترول ومشتقاته هي تكلفة النقل، فأغلب المشتقات البترولية يتم نقلها عبر البواخر البحرية، ومن خلال طرق يتم دفع رسوم عليها للنقل السريع كقناة السويس. وأضاف أن الحرب الروسية- الأوكرانية إذا ما طالت بين البلدين وزادت عنفاً، فستؤثر حتماً على حركة النقل والشحن، سواء البرية أو البحرية أو حتى الجوية، وعليه ستزداد أسعار تكلفة الشحن، وهذا سيزيد أسعار البترول ومشتقاته على الدول المستهلكة والصناعية، لافتاً إلى أن ذلك سيزيد خطورة الوضع في المنطقة، وستتفاقم معها زيادة أسعار الشحن، وعليه فإن أغلب المراقبين للاوضاع الاقتصادية، وبخاصة البترولية، يرون أن هذه التوترات بين روسيا وأوكرانيا ستستمر لهذا العام، وربما ستزداد سوءاً، وهذا ما سيتم معرفته من خلال تصريحات البلدين.

وأشار كرم إلى أن التوقعات الخاصة بأسعار المشتقات البترولية للعام الحالي ربما ستشهد ارتفاعا قياسيا، وهذا ما لا ترغب فيه الدول الأوروبية المستهلكة.