لا شك أن ظاهرة الغش الجماعي التي شهدتها الكويت كانت صادمة ومؤلمة، فكيف تمكن ما يقرب من 40 ألف طالب من الغش مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لتساعدهم في تلك العملية، لكن ردود الفعل الانفعالية الغاضبة التي أثارها رئيس اللجنة التعليمية في مجلس الأمة عن تلك الظاهرة لم تكن مستغربة، فكثير من أعضاء هذا المجلس، كما أثبتت التجارب، لا يبحثون عن إصلاح، بقدر ما يبحثون عن فضائح، ليتخذوا منها دعاية انتخابية تساهم في إعادة انتخابهم في المرات القادمة، فما إن سمع عن حدوث ظاهرة الغش في الامتحانات حتى طالب بإقالة جميع القياديين في وزارة التربية، واستغرب تجاهل أوامره وأن القادة ما زالوا في مناصبهم، وسرعان ما أشادت جماعته والحزب الذي ينتمي إليه بذلك التصريح، وأشادوا بمواقفه وحرصه على سلامة العملية التربوية، وتحركت المنابر الإعلامية للجماعة التي ينتمي إليها لتلميعه.
لا شك أن ما حدث جريمة مروعة، لكن إقالة القياديين لا تعالج المشكلة بل يمكن أن تزيدها سوءاً، فإذا كان المقصود بقادة الوزارة وكيل الوزارة والوكلاء المساعدين فهم ليسوا من يشارك في وضع أسئلة الامتحانات، ومن يضع الأسئلة موجهون متخصصون في المواد الدراسية، ويشارك معهم أساتذة الجامعة، لذلك يجب أن تباشر النيابة العامة التحقيق في هذه القضية، ولنترك للقضاء العادل فرصته ليقول كلمته ويبدي حكمه في هذه القضية، وكذلك على وزارة التربية أن تجري تحقيقاً في هذا الموضوع.
وعلينا كدولة أن نتعرف على سبب انتشار ظاهرة الغش بهذه الصورة المروعة، وأعتقد حسب اطلاعي على تطور التعليم في الكويت أنه في منتصف السبعينيات من القرن الماضي شكلت لجنة في وزارة التربية لدراسة مشكلات التعليم الثانوي، وذلك بسبب الانتقادات التي كانت توجه للمدرسة الثانوية وتطالب بإعادة النظر في تلك المرحلة، وتصفه بأنه تعليم نظري وعاجز عن توفير العمالة لخطة التنمية، ويتجاهل الإعداد للحياة العملية، وشكلت الوزارة لجنة لدراسة المشكلات والانتقادات التي يثيرها المربون حول المدرسة الثانوية والبحث عن حلول لتلك المشكلات.
ورأت اللجنة أن الأخذ بنظام المقررات أفضل الحلول لإصلاح التعليم الثانوي، وشكلت لجاناً فنية لدراسة فلسفته وأهدافه ونظامه الإداري وطرق تقييم الطلبة ونظم الامتحانات، وكيفية تطبيقه، وأرسلت وفوداً إلى الخارج للاطلاع على تطبيقه، وتم تدريب مدرسين وإداريين للعمل في تلك المدرسة، وتم افتتاح أول مدرسة لنظام المقررات، وشكلت الوزارة لجنة لتقييم تلك التجربة، ولم يتم التوسع فيه إلا بعد أربع سنوات، وأثبتت الدراسات نجاحه، لكن بكل أسف تم وقف نظام المقررات بعد أن أظهرت بعض الدراسات عدم صلاحياته للبيئة الكويتية، مع أن نظام المقررات كان أفضل نظام تربوي لمعالجة مشكلات التعليم ونظم تقييم الطلبة والثقة بالمعلم.