بالرغم من أن الكتاب «سجل الزلازل العربي» للدكتور عبدالله يوسف الغنيم صدر في آخر طبعة له عام 2002، فإنه أول دراسة شاملة لأحداث الزلازل وآثارها في المصادر العربية
رحلته مع هذه الدراسة جاءت بحكم تخصصه بعلوم الجغرافيا إلى أن وقع الزلزال المدمر في اليمن عام 1982 مما دفعه إلى تجميع وتسجيل وتحليل كل ما ورد في المصادر العربية القديمة من أخبار.
وفي عام 1986 حصل على تفرغ علمي في جامعة الكويت انصرف فيه إلى جمع المزيد من المعلومات في أشهر المكتبات العالمية، وهي مكتبة جامعة هارفارد، لتكتمل صورة البحث بشكل سجل موثق يعتمد على أدق المصادر، وفي الأخير أنهى مشواره مع هذه الدراسة التي جاوزت مدتها ربع قرن.
استشعرالمؤلف أن المكتبة العربية في ميدان علم الزلازل بحاجة إلى دراسة تجيب عن أسئلة كانت معلقة، سواء ما يتصل بالتعريف والتفسير وسنوات الحدوث والأقاليم المتأثرة بها والآثار الناجمة عنها.
يشير الدكتور الغنيم في مقدمة كتابه إلى أن فائدة التتبع التاريخي للظاهرة لا تقتصر فقط على علماء الزلازل أو الجغرافيين بل تفيد المؤرخين وعلماء الآثار.
الدراسة تناولت أسباب الزلازل عند العرب ومدى تأثرهم بآراء من سبقهم من الأمم الأخرى وأحدات الزلازل في الكتابات العربية.
تلي ذلك «سجل الزلازل العربي»، والذي قام بإعداده اعتماداً على أوثق المصادر العربية، وتحليل للسجل وبيان الاستنتاجات التي تم استخلاصها.
الرياح هي المحرك
عن أسباب الزلازل عند العرب، يستعرض آراء العلماء العرب من ابن سينا الى إخوان الصفا إلى القزويني، ويقارن ذلك بأقوال أرسطو، ويتوقف عند أربعة آراء لينتهي به الأمر إلى القول إن الرياح هي المحرك الأساسي للزلازل.
وحول أحداث الزلازل في الكتابات العربية، التي حظيت باهتمام خاص يفوق ما كتب عن الأسباب، غير أن تحقيق تلك الأهداف وجمعها في سجل واحد من الأمور التي تفتقد إليها المكتبة العربية، خصوصاً أن الزلازل علم يقوم على التنبؤ ويحتاج إلى سلسلة من المعلومات التاريخية التي تغطي المؤشرات المناسبة عن مناطق «الضعف القشري»، وفي هذا الفصل جمع المصنفات العربية، التي تعتبر من المصادر الرئيسية في أحداث الزلازل، وتتمثل في نوعين من المصنفات، أولهما الكتب والرسائل والدراسات التي كتبت في الموضوع، والثاني كتب التاريخ «الحوليات التاريخية».
وفي متن الدراسة أفرز حيزاً واسعاً للسجل العربي للزلازل، وهو ثبت للمعلومات العربية مرتبة وفق سنوات حدوثها، أن يبدأ هذا السجل مع بداية التاريخ الهجري... وهناك مصادر عربية كتبت عن الزلازل التي سبقت الهجرة النبوية، حيث يشير عدد من المؤرخين إلى زلازل وقعت في بلاد الشام، ومنها منطقة انطاكية في تركيا.
إن أقدم زلزال تم إثباته كان في السنة الخامسة من الهجرة، وينتهي السجل بسنة 1318ه والذي يصادف عام 1900م.
أول المراصد بالمنطقة
يفيد الدكتور الغنيم بأن المراصد بدأت الانتشار في العالم خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وقبل ذلك كانت الأحداث الزلزالية لا يشعر بها إلا في مكان حدوثها، وأقدم مرصد تم إنشاؤه في البلاد العربية كان مرصد «حلوان» عام 1868 بمصر، وتصدر عنه تقارير سنوية، تم نقله من العباسية بالقاهرة إلى حلوان 1903، أما المرصد الثاني في المنطقة فهو مرصد اسطنبول عام 1896، وكان المرصد الثالث في بلدة «كسارة» في لبنان، مدخل سهل البقاع عام 1906.
وأورد قائمة بسجل الأحداث التاريخية من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع عشر الهجري.
زلزال مكة قبل البعثة النبوية
وبشأن تحليل السجل ونتائجه يذكر الدكتور الغنيم أن أول زلزال كان في العصر الخامس من الهجرة على عهد النبي محمد «صلى الله عليه وسلم»، ولعل أهم الزلازل التي حدثت قبل البعثة زلزال أصاب مدينة مكة يوم مولد النبي «صلى الله عليه وسلم»، وتأثرت به الشام وتحطم بنتيجته «إيوان كسرى».
أنواع الزلازل
يتضح من القراءة التاريخية التي قام بها المؤلف والنظرة العامة للسجل أن هناك نوعين من الزلازل.
الأول الزلازل الإقليمية التي تصيب منطقة بعينها. والثاني التي تصيب مجموعة من الأقاليم دفعة واحدة.
ثم قام بتقسيم النوع الأول جغرافياً إلى سبع مناطق زلزالية هي: إيران، والعراق، والشام، وغرب الجزيرة العربية، ومصر، والشمال الإفريقي، وبلاد الأندلس.
ويؤكد الباحث الدكتور الغنيم أن مسألة التنبؤ بحدوث الزلازل من المسائل التي مازال العلم فيها قاصراً عن الوصول إلى وضع حد لتجنب تلك الآثار المدمرة لكوارث الزلازل، لكن يمكن القول إن الزلازل تميل للظهور مجدداً في المناطق التي سبق أن ظهرت فيها بشكل عام، ويظهر ذلك في السجل العربي من تكرار الزلزال في انطاكية، وحلب، ودمشق، واليمن، وغيرها من المناطق التي تدخل ضمن نطاق «الضعف القشري».
ظواهر طبيعية مصاحبة للزلازل |
يعدد الباحث الظواهر الجوية المصاحبة للزلازل ومنها
1- كسوف الشمس أو خسوف القمر 2- اضطراب الشهب وسقوط النيازك 3- العواصف والرياح والأمطار والصواعق 4- وميض الزلازل أما الظواهر الطبيعية المصاحبة للزلازل، فهي التي تطرأ على المياه الجوفية مثل، نضوب المياه أو تدفقها أو يحدث عكس ذلك، إذ تتفجر العيون، وترتفع المياه في الآبار، أو تظهر الفوارات الحارة، والأصوات المصاحبة للزلازل تلك الناجمة عن احتكاك الصخور الباطنية، التي ينشأ عنها أمواج ذات ذبذبات سريعة تنتشر في الغلاف الخارجي للأرض، مكونة دوياً عميقاً أشبه بالرعد. |