لا يختلف أحد في الكويت على أن التجنيس العبثي جاء نتيجة نهج وسياسة تبنتها الأسرة الحاكمة بهدف إيجاد فئة جديدة من المواطنين، لا يكونون لها نداً ولا رديفاً ولا ناصحاً في إدارتها للدولة، بل يكونون رهن إشارتها ويسيرون تحت ظلها ويلتمسون عطاياها ويعملون على خدمتها، وكان ذلك على حساب الوطن وأبناء الكويت الأصليين!

ولذا فقد تسابق أبناء الأسرة بشكل محموم وعبثي إلى التجنيس لغايات عديدة، منها تعزيز كل منهم لتكثير عدد مسانديه في صراعهم وتعزيز نفوذهم، ومنها الهيمنة على مجلس الأمة بضمان نجاح أعضاء داعمي كل منهم، ومنها الهيمنة على البرلمان للتصرف في شؤون البلد دون رقيب أو حسيب، ومنها التكسب والتجمل، ومنها تحقيق مكاسب تجارية أو مالية، فكان لهم ما أرادوا وبدأت كرة الثلج تتضخم حتى بلغ عدد المتجنسين وأبنائهم أكثر من أبناء الوطن الأصليين، وبدأت تظهر الآثار المدمرة للتجنيس العبثي تارة على الجانب السيادي وتارة على الأمني وتارة ثالثة على القرار الوطني، ورابعة على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، فضلاً عن الجوانب المالية والخدماتية والحياتية، وتم على أثر ذلك تغيير مقاصد الآباء المؤسسين في المادة 82 من الدستور الهادفة إلى تحصين الجانب السيادي والأمني والقرار الوطني، إذ بسبب الغفلة وسوء الإدارة أصبح المتجنسون هم أغلبية الناخبين بعبث تشريعي متلاحق، بل باتوا يشكلون أعداداً متزايدة من النواب في مجلس الأمة، حينما تم العبث بقانون الجنسية عبر تعديله بالقانون رقم 44 لسنة 1994 الذي سمح لأي متجنس أن يكون مرشحاً فنائباً خلافاً للمحدد في المادة 82 من الدستور، والمرتبطة بالقانون رقم 15 لسنة 1959 الخاص بتحديد الكويتي بالتأسيس وبصفة أصلية والمقصور على الكويتيين المؤسسين وأبنائهم قولاً واحداً.

Ad

واليوم، وبعد أن تم إدراك ذلك والإقرار به، واستيعاب مخاطره وآثاره المدمرة، خصوصاً أن التزوير والتدليس والتحريف في ملفات الجنسية كانت جرائم متزامنة مع التجنيس العبثي واستغلت مسالكه التي فتحت المجال لتحقيق كل ذلك، فإنه لا بد من إرادة سياسية وقرار حاسم وعاجل في هذا الشأن لإعادة الأمور لنصابها، خصوصاً أن ذلك صار توجهاً متداولاً في دوائر القرار وانعكس بشكل مباشر في برنامج عمل الحكومة الذي قدمته إلى مجلس الأمة بتاريخ 13 ديسمبر، وقد جاء فيه ما يلي: «إنشاء هيئة لشؤون الجنسية، ومراجعة ملفات الجنسية، وحصر ما لحق بها من خلل، لتنقيتها من أي شوائب تخالف مقاصد التشريع».

وقد أصبحت معالجة هذا الملف بصورة عاجلة أولوية وطنية وسيادية وأمنية قصوى ينبغي ألا يتأخر بخصوصها القرار السياسي والإجراءات التنفيذية والإدارية لتصحيح مسار هذا الملف وإعادة الأمور لنصابها قبل أن يتبدد كل أمل في ذلك.

***لعبة شد الحبل... وضياع البلد

اليوم لا بد أن نكون صريحين... هناك استمرار للنهج القديم رغم الكثير من المظاهر التي تبرهن على دخولنا عهداً جديداً، لكن بهذه الممارسات الأساسية بشأن أسلوب إدارة الدولة، وبقاء رموز محل عدم قبول شعبي تتصدر مشاهد الحياة العامة، وعدم وضوح جدية ملاحقة رؤوس الفساد بالمرحلة السابقة، واستمرار آليات وأساليب ونمط الهيمنة على الدولة واقتسامها أو تبديدها، ولعبة شد الحبل بين الأطراف الأساسية بالحكم والإدارة المركزية لقرارات الدولة، وعدم وجود صلاحيات حقيقية لمجلس الوزراء وبرلمان متفرج على تعطيل جلساته، نكون في حلقة الفراغ.

اللهم احفظ الكويت وأهلها وقيادتها السياسية.