بمشهدية بالغة، أحيا تيار المستقبل اللبناني ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفضّل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الصمت على الكلام، على الرغم من اختياره بعض التعابير المقتضبة، إذ أكد أن الناس هي الضمانة، وأن منزله في بيت الوسط سيبقى مفتوحاً.

كانت الرسالة الأساسية التي أراد زعيم «المستقبل» إيصالها هي استمراره زعيماً لبنانياً وللسنّة بالتحديد، وذلك من خلال الحشود التي تدفقت إلى ضريح رفيق الحريري وسط بيروت، ورافقته فيما بعد إلى بيت الوسط. وهي رسالة وجهها الحريري للداخل والخارج، خصوصاً من سعى إلى وراثة تيار المستقبل، حسب مصدر قريب منه.

وعمل التيار على تحشيد الناس لإيصال الرسالة بشكل بالغ، وأريد لها أن تكون تظاهرة صامتة غير أن الصمت فيها كان أبلغ من الكلام.
Ad


وعلى مدى وجوده في لبنان، عقد الحريري لقاءات متعددة مع مسؤولين في تياره، بالمكتب السياسي والمكتب التنفيذي، ومع نواب حاليين وسابقين، وكرر أمامهم، حسب المصدر، استمرار اعتكافه عن السياسة، مؤكداً أن وضع البلد والانهيار الذي وصل إليه يؤكدان صوابية خياره، وأنه من الأفضل أن يكون «المسقبل» بعيداً عن السياسة في هذه المرحلة.

بدا هذا الكلام وكأن الحريري ينتظر توقيتاً معيناً للعودة، خصوصاً أنه قال لكوادر تياره: «استمروا بالعمل في النقابات وحيث أنتم موجودون، بمعزل عن السياسة، ونحن لن نتخلى عن أماكننا لأحد». وهي رسالة واضحة من الحريري لجمهوره مفادها أنه من الممكن أن يعود إلى ممارسة عمله السياسي عندما تتغير الظروف.

وغص ضريح الحريري الأب بالحشود من مناطق مختلفة، دفعت الحريري الابن إلى الارتياح، فشق طريقه بين الجموع، وتلا قراءة الفاتحة على روح والده، ثم خاطب جمهوره: «الله يحمي لبنان ورحم الله الرئيس الشهيد»، قبل أن يغادر إلى بيت الوسط حيث لحقت به حشود ووفود، وهناك قال: «هذا البيت سيبقى مفتوحاً وسيكمل مشوار رفيق الحريري»، في إشارة جديدة منه أيضاً لاستعداده إلى العودة، ولكن تبقى المسألة مرتبطة بالتوقيت وبالظروف.

وتلقى الحريري اتصالاً من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، الذي قدم له واجب العزاء مجدداً، وتمنى عليه العودة إلى لبنان الذي يحتاج إلى جميع أبنائه في هذه المرحلة.

ويعبر هذا الاتصال عن كسر للجليد الذي اعترى العلاقة بين الجانبين بعد انكسار ميزان التسوية السياسية التي عقدت بينهما في عام 2016، وهي إشارة يتوقف عندها بعض المراقبين حول سعي عون إلى التقارب مع الحريري مجدداً وإبقاء العلاقة موصولة بعدما كانت انقطعت عقب اعتذار الحريري عن تأليف الحكومة بسبب خلافات مع عون عام 2021.

وفي المناسبة، قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي: «في ذكرى استشهاد رفيق الحريري، مدعوون جميعاً إلى التحلي بالمناقبية السياسية التي آمن بها الراحل الكبير توافقاً وشراكة وقبولاً بالآخر، وبذلك نمنع اغتيال الطائف واغتيال لبنان الذي استودعه الشهيد رفيق الحريري والشهداء أمانة في أعناق جميع اللبنانيين، ونحفظه وطناً واحداً موحداً لكل أبنائه».