أعلنت الحكومة الكويتية مؤخراً مسودة موازنة تتضمن زيادة النفقات العامة بنسبة 12 في المئة على أساس سنوي للسنة المالية 2023/2024، نتيجة لزيادة الرواتب بنسبة 13 في المئة، ورفع الدعوم بنسبة 34 في المئة. وستساهم الميزانية التوسعية المقترحة، إذا تم تنفيذها، في تعزيز إجمالي الدخل المتاح للأسر من خلال رفع الدخل وخفض النفقات، وبالتالي، من المقرر أن تكون محركاً رئيسياً لنمو الإنفاق الاستهلاكي خلال الجزء الأخير من عام 2023.

وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، بقي أداء الانفاق الاستهلاكي في الكويت قوياً منذ الجائحة، إذ شكل إلى جانب القطاع النفطي أبرز العناصر الجوهرية المساهمة في نمو الاقتصاد. وساهمت التركيبة السكانية المواتية، وزيادة معدلات التوظيف وارتفاع الأجور، وتدابير الرفاهية التي توفرها الدولة، في تعزيز الإنفاق الاستهلاكي، الذي سجل ارتفاعاً ملحوظاً، وإن كان بوتيرة أقل بلغت 16 في المئة على أساس سنوي في الربع الأخير من 2022. ويرجع اعتدال وتيرة النمو لعودة الأنشطة إلى مستوياتها الطبيعية بعد ثلاثة أعوام من الجائحة، مع ارتفاع العمالة، ونمو الأجور، وعودة ثقة المستهلك لمستويات مستقرة.

Ad

أما بالنسبة للعام المقبل، فتشير التقديرات إلى أن الإنفاق سيبقى قوياً في ظل محركات الطلب القوية والسياسات الحكومية التوسعية. فعلى سبيل المثال، يتضمن مشروع مسودة الموازنة الحكومية المعلن عنه مؤخراً للسنة المالية 2023/2024 زيادة كل من الرواتب والدعوم، وهو الأمر الذي إذا تمت المصادقة عليه فقد يساهم في دعم إنفاق الأسر هذا العام. ومن المرجح تباطؤ وتيرة النمو، خصوصا في النصف الأول من 2023، نظراً لارتفاع قاعدة المقارنة في العام الماضي والظروف النقدية الأكثر تشدداً مقارنة بالعام الماضي.

الإنفاق العام يحتفظ بمرونته

ووفقاً لإحصاءات بنك الكويت المركزي، نما الإنفاق الاستهلاكي باستخدام البطاقات المصرفية، بما في ذلك عمليات السحب النقدي من أجهزة السحب الآلي، بنسبة 16 في المئة على أساس سنوي في الربع الرابع من 2022 مقابل 17 في المئة في الربع الثالث من 2022. وقد أدى ذلك لزيادة معدل النمو للعام بأكمله إلى 22 في المئة على أساس سنوي. أما بالنسبة للأداء على أساس ربع سنوي، فقد ارتفع الإنفاق باستخدام البطاقات المصرفية بنسبة 5 في المئة بعد تسجيل تراجع هامشي (-0.3 في المئة) في الربع السابق.

وكان الإنفاق الاستهلاكي قوياً بصفة خاصة في 2022 بفضل استفادته من تدابير الدعم الحكومي التي وفرتها الدولة للمواطنين خلال النصف الأول من 2022. وفي ظل تلاشي التأثير الإيجابي لتلك التدابير وخفوت تأثير التعافي بعد الجائحة، عادت معدلات نمو الإنفاق الى مستوياتها الطبيعية.

وفيما يتعلق بقنوات الاستخدام، فقد زادت المعاملات التي تم اجراؤها بواسطة بوابات الدفع الإلكتروني (أي عبر الإنترنت) بوتيرة مطردة وحلت محل النقد (انخفاض عمليات السحب من أجهزة السحب الآلي)، مع نمو حصتها من إجمالي الإنفاق إلى 37 في المئة مقابل 24 في المئة في الربع الرابع من 2020. وفي المقابل، بقيت حصة معاملات نقاط البيع ثابتة إلى حد كبير.

وفي الربع الرابع من عام 2022، وللمرة الأولى منذ رفع القيود المفروضة على السفر الدولي لاحتواء الجائحة، نما الإنفاق المحلي بمعدل أسرع من الإنفاق الخارجي، أي بنسبة 16 في المئة على أساس سنوي مقابل 8 في المئة على أساس سنوي. وبالنسبة لعام 2022 بأكمله، نما الإنفاق الدولي بنسبة 41 في المئة على أساس سنوي.

وتشير التقديرات إلى أنه مع اعتدال وتيرة النمو المرتبط بإعادة فتح الاقتصاد في اعقاب الجائحة وما نتج عن ذلك من الطلب المكبوت على السفر للخارج، فمن المرجح أن يتراجع النمو الإجمالي للإنفاق الخارجي، متأثراً أيضاً بارتفاع قاعدة المقارنة للعام الماضي، خصوصا في النصف الأول من 2023.

تحسن وتيرة القروض لقطاع الأسر

واستمر الأداء القوي لقروض لقطاع الأسر (باستثناء الائتمان الممنوح لشراء الأوراق المالية). إلا أنه رغم ذلك، تراجع النمو إلى 9 في المئة على أساس سنوي في الربع الرابع من 2022 مقابل تسجيل نمواً بنسبة 13 في المئة على أساس سنوي في المتوسط على مدار السبعة أرباع السابقة. وكان الإقراض لقطاع الأسر من المحركات الرئيسية لتحسن وتيرة الائتمان على مستوى القطاع المصرفي، إذ ارتفعت حصة الائتمان الشخصي (باستثناء الائتمان الممنوح لشراء الأوراق المالية) من المعدل الإجمالي إلى 39.4 في المئة مقابل 36.9 في المئة في الربع الرابع من 2020.

ومن المقرر أن تبقى مثل تلك المستويات القوية من الائتمان للأسر، مما يساهم في تعزيز الإنفاق الاستهلاكي.

وعلى الرغم من قيام البنوك المركزية العالمية برفع أسعار الفائدة منذ الربع الأول من 2022، فإن «المركزي» اتخذ نهجاً تدريجياً لرفع أسعار الفائدة مقارنة بالدول الأخرى، إذ سعى لتحقيق التوازن بين دعم الاقتصاد المحلي والحاجة إلى التوافق مع تشديد السياسات النقدية العالمية، إلى جانب كبح التضخم. إضافة لذلك، فإن الحاصلين على القروض للأسر في الوقت الحالي يتمتعون بحماية من ارتفاع أسعار الفائدة، نظراً لهيمنة الاقراض بسعر فائدة ثابت، مما يحد من التأثير المباشر على الدخل المتاح وعادات الإنفاق. إلا أن ارتفاع تكلفة القروض قد تشكل أحد العوامل التي تؤثر على المقترضين.

معدلات التوظيف تعود للارتفاع

بعد صدمة الجائحة، بدأت بعض العلامات الدالة على انتعاش سوق العمل بالظهور، مع ارتفاع التعداد السكاني ومعدلات التوظيف مرة أخرى وتسارع نمو الأجور. وتوفر هذه التطورات بعض الدعم الأساسي لتوقعات الإنفاق.

ووفقاً للبيانات الصادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية، ارتفعت معدلات التوظيف الإجمالي (باستثناء العمالة المنزلية) بنسبة 3.8 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث من 2022، إذ بدأت العمالة الوافدة العودة بعد اضطرارهم للمغادرة بسبب الجائحة. وفي ذات الوقت، ارتفع عدد الوظائف المتاحة للمواطنين بنسبة 3.4 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 439 ألف وظيفة بدعم من القطاع العام.

وانتعش نمو أجور المواطنين الكويتيين هذا العام بدعم من القطاعين العام والخاص. وخلال الربع الثالث من 2022، ارتفع متوسط رواتب المواطنين الكويتيين بنسبة 1.9 في المئة على أساس سنوي بعد تسجيل نمواً بنسبة 2.1 في المئة على أساس سنوي في الربع الثاني من 2022 (الرسم البياني 4). كما تسارعت وتيرة نمو أجور القطاع العام إلى 1.6 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث من 2022، فيما يعد أعلى معدل نمو سنوي منذ عامين. في ذات الوقت، اعتدلت وتيرة نمو أجور القطاع الخاص إلى 3.4 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث من 2022 مقابل 4.7 في المئة في الربع الثاني من 2022.

تباطؤ معنويات المستهلك

بقي مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن شركة آراء للبحوث ضمن مستويات مقبولة في الربع الرابع من 2022، بالرغم من انخفاضه إلى 109 في المتوسط مقابل 116 في الربع السابق. وقد يعزى هذا التراجع الذي شهدته المعنويات إلى ضعف بعض العوامل العامة، وربما يكون مرتبطاً بانخفاض أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2022. إلا أنه من المقرر أن يساهم ارتفاع معدلات التوظيف وزيادة الأجور، بالإضافة إلى تراجع الضغوط التضخمية، في دعم ثقة المستهلك ونمو الإنفاق في المستقبل.