تزامنا مع الذكرى الأربعين لتأسيس دار الآثار الإسلامية، في فبراير 1983، أقامت الدار مؤتمرا يحمل عنوان «الفن والدبلوماسية: لغة الكويت المشتركة»، وقد شاركت الدار، ممثلة في مجموعة الصباح الآثارية، والتي يمتلكها الشيخ ناصر صباح الأحمد، رحمه الله، وقرينته الشيخة حصة صباح السالم، والتي تشغل منصب المشرف العام للدار، في معارض عديدة خارج الكويت، بدءا من التسعينيات، حيث استذكرت الشيخة حصة: «منذ تأسيس الدار عام 1983 ونحن نضع نصب أعيننا تعريف الآخر الحضاري بحضارتنا الإسلامية، وسعينا إلى أن نحقق ذلك في جميع مشاركاتنا في المعارض والمتاحف العالمية، واهتممنا بأن تكون محتويات معارضنا عاكسة لذلك الهدف، لقد حملنا رسائل الجمال والحضارة، وجبنا قارات العالم وبلدانه، نؤم معارضها ومتاحفها».
وتطرق المؤتمر إلى مشاركات الكويت في الخارج، من خلال المعارض التي تسلط الضوء على الفنون والكنوز الإسلامية، والتي حملت عنوان «الفن الإسلامي ورعايته»، ومعرض «ذخيرة الدنيا: فنون الصياغة الهندية في العصر المغولي»، ومعرض «الفن في حضارة بلاد المسلمين»، ولم يخل المؤتمر من الحديث عن المعارض والمؤتمرات التي أقيمت داخل الكويت وخارجها استذكارا لإسهامات الشيخ ناصر صباح الأحمد، وجمع المؤتمر بسفراء الكويت في الخارج ممن أسهموا في تذليل كل العقبات أمام المعارض الخارجية الكويتية التي أقيمت حول العالم، وجالت القارات، وعبروا عن التناغم بين سياسة الفن وفن السياسة، حيث شارك السفراء تجاربهم وشددوا على أهمية الفن في توصيل الرسالة السامية وإشاعة روح السلام والألفة بين شعوب العالم.
صوت مسموع
وافتتح المؤتمر الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالتكليف د. محمد الجسار بكلمة رحب خلالها بالشيخ سالم الصباح، وزير الخارجية، وممثل رئيس مجلس الوزراء راعي الحفل سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد، والشيخة حصة صباح السالم، المشرفة العامة لمجموعة الصباح الآثارية، والشيوخ والسفراء.
وقال الجسار إنه «تحت شعار الفن والدبلوماسية... لغة الكويت المشتركة تقيم دار الآثار الاسلامية في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب هذه الاحتفالية بذكرى مرور 40 عاما على تأسيسها، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نستذكر المغفور له بإذنه تعالى الشيخ ناصر صباح الأحمد، مؤسس هذه المجموعة جنبا إلى جنب مع الشيخة حصة صباح السالم، ولقد كان للشيخ ناصر الشغف الكبير في الفن والتراث الإسلامي منذ شبابه، وبدأ مسيرته بالاهتمام واقتناء القطع الآثارية منذ سنة 1975، وفي 1983 تم إنشاء دار الآثار الإسلامية لتكون الحاضنة لمجموعة الصباح الآثارية، بالتعاون مع وزارة الإعلام الكويتية، وفي نفس السنة تم افتتاح مبنى متحف الكويت الوطني ليقدم للعالم روائع الفن والآثار الاسلامية من مقتنيات مجموعة الصباح الآثارية، وفي سنة 1993 انضمت الدار إلى المجلس الوطني، ومما لا شك فيه أن مجموعة الصباح الآثارية تعتبر أهم مجموعة آثارية في الكويت والمنطقة، ومن أهم المجموعات الآثارية في العالم وأشملها».
وأضاف: «لقد كان لمجموعة الصباح الأثارية دور رائد في الدفاع عن الكويت إبان فترة الاحتلال، إذ أصبح لدار الآثار الإسلامية صوت مسموع حول العالم يدافع عن الشرعية الكويتية من خلال دبلوماسية الفن، والأثر الكبير للفنون في تقارب الشعوب وتعارفها، وكما قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، ولم تقف هذه الدبلوماسية بتحرير الكويت من الاحتلال بل أكملت مسيرتها لتكون سفير الكويت والعالم الإسلامي في الرخاء والشدة، وكان آخر محطات هذه الدبلوماسية مشاركة الدار هذا العام في بينالي الفنون الإسلامية بجدة، تحت عنوان البيت الأول، إذ كان لدار الآثار الإسلامية موضع مميز في هذا الاحتفال الدولي تخليدا لذكرى الشيخ ناصر صباح الاحمد، واحتفاء بمرور 40 عاما على تأسيس هذا الصرح الثقافي الفريد من نوعه بمشاركة أكثر من 130 قطعة أثرية تلخص الفن الإسلامي عبر الزمان والمكان».
شعراء الجاهلية
وألقى وزير الخارجية الشيخ سالم الصباح، ممثل راعي الحفل، كلمة جاء فيها: «إنه لمن دواعي سروري أن أنقل لكم تحيات قيادتنا السياسية، حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، كما أنني أحظى بشرف تمثيل سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد في مؤتمر الفن والدبلوماسية، احتفاء اليوم بالذكرى الأربعين لافتتاح هذه المنارة الثقافية، دار الآثار الإسلامية، ولا يفوتني في هذه المناسبة السعيدة أن أستذكر بوافر الاعتزاز وصادق المشاعر الإسهامات الجلية من قلب رعاة هذه الدار الشيخة حصة وفقيدنا الشيخ ناصر صباح الأحمد، فتجسدت أصفى معاني الحب والوفاء للوطن بعملكما الوطني الزاخر بقيم الإخلاص والعطاء، وبفضلكما تعرفت كبرى العواصم على ثقافتنا الاسلامية برحلات دار الآثار لعقود من الزمن، أطلقتم من خلالها معارض متجولة في شرق العالم وغربه، فهذا هو صميم العمل الدبلوماسي، وهذه نقطة التقاء الفن بالدبلوماسية، وهنا أتطلع لحديث إخواني سفراء الكويت حول تجاربهم الثرية في بعض الدول التي خدموا بها، والحاضنة لحضارات عريقة».
وأضاف وزير الخارجية: «تتشارك الدبلوماسية مع الفنون كونهما صفتين تلازمان أصحابها، لتصبح بهم جزءا أصيلا لا يتجزا، وغالبا تتعانق الدبلوماسية مع فن الشعر، فقد كان شعراء الجاهلية سفراء لقبائلهم، يوفدون في مهمات دبلوماسية، وهنالك شواهد كثيرة على ذلك، ونماذج ساطعة، امتزجت مسيرتها في السلك الدبلوماسي بالشعر والفن يستحضرها تاريخنا المعاصر، ومنها مثالاً لا حصراً، سفراء الكويت حمد الرجيب، ويعقوب الرشيد، وخليجيا السفير غازي القصيبي، وليس من شيء معبر عن أمة كالثقافة والفنون، فهي من أهم مقومات الدول، وقد منحتنا الثقافة العربية والإسلامية طيب الأدب والفن، وختاما شكرا لدار الآثار الإسلامية لحمل راية التعايش والمعرفة والإنسانية وتخليد إرث حضاري، ومرجع للأجيال القادمة، وهي تستشرق آفاق المستقبل».
فيلم وثائقي
وتم عرض فيلم وثائقي حول قوة الفن، وكيف استطاعت مجموعة الصباح الآثارية أن تضع بصمتها حول العالم من خلال معارضها وفعالياتها الفنية والثقافية، ما كان له مردود كبير على كبرى عواصم العالم شرقا وغربا.
وافتتحت جلسة سفراء الكويت في الخارج الشيخة جواهر إبراهيم الدعيج، والتي ألقت كلمة جاء فيها: «نلتقي هذا الصباح في مكان تاریخي مرموق لنحتفل بمناسبة تاریخیة ممیزة، وهي مرور 40 عاما على إنشاء دار الآثار الإسلامیة، ومجموعة الصباح الآثاریة، تحت عنوان الفن والدبلوماسیة: لغة الكویت المشتركة».
وتابعت الشيخة جواهر: «حسنا فعلت الشیخة حصة صباح السالم باختیار عنوان وموضوع احتفالیتنا الیوم، فالفن هو لغة التخاطب الوحیدة التي یشترك في فهمها واستیعابها، وعلى مر التاریخ كل شعوب المعمورة، ولقد دأبت الكویت على مر التاریخ على انتهاج سیاسة معتدلة متوازنة، ركیزتها السلام والوئام والنابعة من إیماننا بالمرتكزات الإنسانیة ومن دیننا الإسلامي، وقیمنا العربیة، وذلك من خلال نشر وصون الثقافة والفن والتراث كركیزة أساسیة لتعزیز مكانة الكویت الدولیة وفق رؤیة 2035».
إحياء التاريخ
وأضافت الشيخة جواهر أن المؤتمر يشير إلى فترتین هامتین لتاریخ مسیرة دار الآثار الإسلامیة، وهي فترة ما قبل الغزو العراقي للكویت في أغسطس 1990، وفترة ما بعد التحریر في 1991، من خلال أنشطة ومعارض الدار، إضافة إلى الندوات التي أقامتها داخل الكویت وخارجها، حیث كان أول معرض أقیم داخل الكویت عام 1985 بالتعاون مع الیمن الشقیق، بعنوان «مصاحف صنعاء»، وضم مجموعة من صحائف الرقوق كتبت علیها آیات من القرآن الكریم، تعود إلى العصور الخمسة الأولى للإسلام، تلاه معرض بدائع الفن الإسلامي في متحف الأرمیتاج عام 1990 حین استضافت الدار 120 تحفة فنیة من مقتنیات متحف الأرمیتاج العریق، والذي عرض لأول مرة خارج الاتحاد السوفیاتي، حیث كان المعرض ثمرة للاتفاقیة الموقعة بین الجانبین لتبادل المعارض الفنیة، ثم جاء معرض روائع الشرق القدیم بتحف أثریة من مجموعة الصباح عام 2013 لیؤكد تضافر الشعوب في إعادة إحیاء التاریخ، عندما شاركت أربع دول بواحدة من تحفها الأثریة مساهمة منها في دعم هذا المعرض، وهذه الدول هي إیران والعراق وأفغانستان والیونان.
واردفت: «كان معرض الفن الإسلامي وكنوز من الكویت على موعد مع أول محطة خارجیة لدار الآثار الإسلامية في متحف الأرمیتاج بالاتحاد السوفیاتي آنذاك، والذي أقیم بعد 4 أیام من احتلال الكویت، مرورا ب23 محطة فتحت ذراعیها لاستقبال معرض كنوز من الكویت، والذي كان بمنزلة متحف بلا جدران، بدءا من الولایات المتحدة، ومن ثم إلى كندا وبریطانیا وفرنسا وإیطالیا وألمانیا، ومنها انتقل إلى السعودیة ومصر والبحرین، قبل أن یغادر إلى سیدني بأسترالیا ومتحف أوكلاند بنیوزیلندا حتى وصل إلى متحف الشارقة للحضارة الإسلامیة 2008-2009، كما بدأ معرض ذخیرة الدنیا: فنون الصیاغة الهندیة في العصر المغولي، الذي بدأ في المتحف البریطاني عام 2001، ثم قام برحلة أخرى لا تقل أهمیة عن المعرض الأول عندما تحولت هذه الرحلة إلي تظاهرة ثقافیة حینما أفتتح المعرض في متحف المتروبولیتان بمدینة نیویورك، ومنها انتقل إلى أفضل المتاحف في عواصم العالم كمتحف القصر الملكي في مدرید عام 2004، ومتحف اللوفر في العاصمة الفرنسیة عام 2007، ومتحف الحضارة الآسیویة 2010 حتى عاد إلى المركز الأمريكاني الثقافي عام 2011، بعد أن أتم جولة كانت خیر وجهة للثقافة والحضارة الإسلامیة».
معارض عالمية
وأشارت الشيخة جواهر إلى «معرض الفن في حضارة بلاد المسلمین، الذي أقیم في مدینة میلانو الإیطالیة عام 2010، ثم انتقل إلى فیینا، ومنها إلى المتحف الوطني بكوریا الجنوبیة 2013، ثم عاد إلى روما، وارتحل بعد ذلك إلى متحف البحرین الوطني حتى عاد للمركز الأمریكاني الثقافي عام 2019 إلى الآن، وعلى هامش كل هذه المعارض استفاد سفراء الكویت بإقامة ندوات تناولت تاریخ الكویت القدیم والمعاصر، وذلك لإبراز الدور الحضاري للكویت والثقافة والحضارة الإسلامیة، وتمثل ذلك في ندوتین هامتین، عقدت الأولى في جامعة كامبردج العریقة عام 1995، والثانیة في متحف الصناعات والحرف في فرانكفورت 1996، ثم جاءت ندوة كتاب على شفیر الحرب قصة المقاومة الكویتیة – الخفجي 1990-1991، الذي صدر عام 2011 تكریما وعرفانا لأبطال المقاومة التي شاركت في تحریر الكویت، والذي یتزامن حفلنا الیوم مع مناسبتي عیدي الوطني والتحریر».
وأكدت أن الأمر لم یقتصر على المعارض الفنیة التي جابت أصقاع الأرض والندوات التي استضافت خیرة الأكادیميین المتخصصین، بل قامت دار الآثار الإسلامیة أيضا بإیفاد بعثات للكشف والتنقیب عن الحفریات في بعض المناطق التاریخیة، مثل منطقة البهنسا في مصر الشقیقة خلال 1985 – 1987، حیث كانت هذه البعثة أول بعثة تنقیب عربیة تنقب عن الآثار في مصر، وتلا ذلك تعاون آخر في مجال التنقیب في منطقة طور سیناء بالاشتراك مع البعثة الیابانیة عام 2006.
واختتم المؤتمر فعالياته بجولة في المعارض التي تضم مقتنيات دار الآثار الإسلامية، وذلك بعد جلسة تحدث فيها 8 ضيوف هم د. مارلين جنكيز، وعبدالكريم الغضبان، والسفراء عبدالعال القناعي وإدوارد غنيم وعبدالعزيز الشارخ ود. سهيل شحيبر وناصر المزين وعبدالعزيز العدواني.
القناعي: دار الآثار كانت سنداً للدبلوماسية إبان الغزو العراقي
ذكر السفير عبدالعال القناعي أن الكويت خلال الغزو العراقي الغاشم كان ينظر إليها كبلد صغير لا يكاد يعرف تاريخه ولا حضارته ولا إنجازاته، فلم يكن يعرف عنه سوى أنه بلد بدوي قبلي تحكمه أسرة حاكمة، وأنه بلد منتج ومصدر للنفط فقط، فيما كان ينظر للعراق على أنه بلد الحضارات العريقة، كالحضارة السومرية والبابلية والأشورية، وفي خضم ذلك النضال الذي كان يقوده الراحل الشيخ سعود الناصر الصباح، جاء معرض دار الآثار الإسلامية بتألقه وتميزه وبما احتواه من نفائس فنية وجواهر إسلامية، متزامنا مع تلك الحقبة الصعبة من تاريخ الكويت حقبة الغزو العراقي الغاشم، ليوفر هذا المعرض دعما ومددا وسندا للجهود الدبلوماسية التي كان يبذلها السفير الراحل رحمه الله.
وأضاف القناعي أن هذا المعرض، الذي جال على أكثر من ولاية أميركية، أتاح الفرصة ليتعرف الشعب الأميركي على دولة الكويت وشعبها ونظامها عن قرب، ومن خلال هذا المعرض المتألق استدرك الرأي العام الأميركي أن نظرته عن الكويت وشعبها ودورها الحضاري كانت نظرة قاصرة، وأصبحت المقارنة لدى الشعب الأميركي بين الكويت والعراق أكثر واقعية وإنصافا، فأصبح يرى العراق في وضعه الحالي كبلد يقوده حاكم دكتاتوري عنيف ومتعطش للدماء، وبين بلد صغير مسالم متحضر لديه مساحة من الحرية والديموقراطية.
وأكد أن دار الآثار ساهمت وبنجاح قل نظيره في إرساء دبلوماسية الفن الراقي والحضارة الإسلامية لتكون خير ممثل للكويت، ولتساهم بشكل أساسي وكبير، إلى جانب الجهود الدبلوماسية والسياسية الجبارة التي قادها سفراء الكويت، في حشد التأييد اللازم الذي قاد الى تحرير الكويت وعودة شرعتيها متمثلة في أسرة الصباح الكرام.
وتابع: «إيمانا بأهمية وفاعلية وتأثير معرض دار الآثار الإسلامية في التقريب بين الشعوب والحضارات وثقة منه بقدرة هذا الفن على التأثير في توجيه الرأي العام الأميركي نحو الحق والعدالة، بما يتوافق مع قراره بضرورة تحرير الكويت، قام الرئيس الأميركي جورج بوش بإرسال ممثل عنه لحضور افتتاح معرض دار الآثار الإسلامية في بلتيمور، حيث ألقى كلمة نيابة عنه بهذه المناسبة، كما ألقى صديق الكويت الحميم السفير ادوارد غنيم قصيدة مؤثرة ومعبرة سماها (الكويت - الكويت) وبكلمات حزينة صادقة عكس فيها حبه العميق للكويت وشعبها، وحرك بها وجدان الحضور وشجون أهل الكويت جميعا، وهو ما يؤكد أن دبلوماسية الفن، الذي مارسته دار الآثار الإسلامية بفنها الإسلامي الراقي الأصيل، تمكنت من أن تثبت نفسها كرافد فاعل ومؤثر من روافد القوة الناعمة لدولة الكويت».