مع دخول استقالة الحكومة أسبوعها الرابع، تبدو البلاد في حالة أشبه بالشلل، مع توقف كل أعمال الإدارة العامة على الرغم من تنوع القضايا الملحة أو المتأخرة التي لا يحتمل بعضها التأخير، خصوصاً في قضايا الاقتصاد والخدمات.
فبينما تحتاج البلاد إلى إدارة قوية تنتشلها من إخفاقاتها المتكررة، التي تهدد مختلف أوجه الاستدامة فيها، يغيب مجلس الوزراء عن ممارسة أعماله الطبيعية واجتماعاته الأسبوعية، ولا يستطيع مجلس الأمة عقد جلساته أو مناقشة القوانين المقترحة بغض النظر عن مدى جودتها، وفي مثل هذه الأجواء يحدث ما هو أسوأ من مجرد النتائج المباشرة لاستقالة أي حكومة كتعطيل الرقابة والتشريع أو تضييق أعمال التنفيذ مروراً بتعطل المشاريع، التي تحتاج إلى قرار سياسي كمشاريع القطاع النفطي أو البنية التحتية، ناهيك عن استمرار تأخير إحلال قياديين جدد في المؤسسات المالية أو الاقتصادية محل الذين انتهت خدماتهم أو أحيلوا إلى التقاعد خلال الأشهر القليلة الماضية، وصولاً إلى تكريس أوضاع استثنائية - يفترض أن مدتها محدودة - تشل أوضاع البلاد كتعطيل المؤسسات وتجميد البرامج والإخفاق عن تحقيق الأهداف كأوضاع طبيعية قابلة للاستمرار مدة طويلة.
مزيد من التدهور
في الحقيقة لم تزد استقالات الحكومات المتعاقبة، وعددها 20 استقالة خلال 16 عاماً بمعدل 9 أشهر للحكومة الواحدة، البلاد إلا تدهوراً في نوعية التحديات، التي تواجهها حتى باتت تلامس مستويات لا تليق بالدول كتفشي الغش في النظام التعليمي أوتطاير الحصى في الشوارع أو تعثر تنفيذ مشاريع متناهية الصغر كدروازة العبدالرزاق، فيما كان من المفترض أن تنشغل الدولة على الأقل وفق أبسط سيناريو بإصلاح المالية العامة بدلاً من تخريبها بمشروع ميزانية هو من حيث الشكل الأعلى إنفاقاً في تاريخ البلاد، أما من حيث المضمون فهي أبعد ما تكون عن فهم أي درس اقتصادي أو مالي يمكن استيعابه من سنوات العجز وشح السيولة بالتوازي مع مقترحات نيابية تتسابق على استهلاك أي إيراد مالي لأغراض انتخابية.
مقدمة ضرورية
وربما يتساءل البعض: ما الذي يجعل إعادة تشكيل الحكومة وعودة مجلس الأمة للانعقاد نافعاً لإصلاح الوضع السيئ للإدارة العامة في البلاد؟
في الحقيقة، فإن تشكيل الحكومة أو عودة مجلس الأمة للانعقاد ليسا مفتاحين سحريين لتجاوز أي معضلة تواجه الإدارة العامة في البلاد، لكنهما يشكلان مقدمة ضرورية لأي إصلاح ولو كانت احتمالاته ضئيلة، فبدون وجود سلطة تنفيذية أو تشريعية لا قيمة لأي حديث عن برنامج عمل الحكومة، بكل ما ورد فيه من طموحات مرتفعة المستوى على صعيد الإسكان والتعليم والرقمنة وإصلاح القطاع النفطي ومراجعة أوضاع الهيئات المتعثّرة أو تعهدات ملزمة بمدد زمنية أولها تحقيق إنجازات خلال أول 100 يوم من عمر الحكومة، فكان أن قدمت الحكومة استقالتها قبل أن تبلغ يومها ال 100!
كما أن استقالة الحكومة وعدم تكليف أخرى جديدة يعني أن المتطلبات التشريعية الواردة في برنامج عمل الحكومة كتعديلات قوانين حق الاطلاع، والمناقصات، وتشجيع الصادرات، وتطوير القطاع النفطي، وضريبة الشركات، والمنطقة الشمالية وغيرها ستكون هي الأخرى مجمدة في ظل تعطل العمل التنفيذي والتشريعي.
نقد مستحق
وحتى مع نقد برنامج عمل الحكومة وهو نقد مستحق لمبالغته في الرهان على فاعلية الجهاز التنفيذي في الدولة، بل وحتى إمكانيات مجلسي الأمة والوزراء، فإن المعالجة تكون في إصلاح آليات القرار وتطوير الأداء وفرض أدوات قياس للأعمال مع رفع الشفافية مع الرأي العام وليس من خلال تعطيل جناحي الإدارة العامة، الذي يجمد التشريع ويجعل التنفيذ ضيقاً في إطار ما يعرف ب «العاجل من الأمور»، الذي يفترض أن يكون استثنائياً في ظرفه وقصيراً في مدته.
اللا إدارة
ومع وجود احتمال أن تطول فترة «اللا إدارة في الدولة» أشهراً أو ربما سنوات، فهذا يعني أن الأثر السلبي سيفضي إلى فقدان قيمة مؤسستين من ثلاث مؤسسات في البلاد، بكل ما في ذلك من تعطيل لكل أوجه الأعمال التنفيذية أو الاحتياجات التشريعية مهما صغرت، في وقت تتزايد التحديات الخدمية كمعالجة حصى الشوارع أو توفير الكهرباء والماء لسكان المناطق الجديدة كالمطلاع وغرب عبدالله المبارك أو الإعداد لافتتاح جامعة عبدالسالم الجديدة، فضلاً عن تجميد أعمال مؤسسات مهنية ورقابية ذات ارتباط بالشأن الاقتصادي بسبب وقف النقل والندب والتعيين فيها.
وهذه كلها أعمال اعتيادية يفترض أن تمارسها إدارة قوية وكفؤة في وضع أوسع من ضوابط «العاجل من الأمور»... فإن لم تتوفر القوة والكفاءة في حكومة ما يؤتَ بغيرها وفقاً لاليات الثواب والعقاب، لا أن تتعرض البلاد للشلل والتعطيل غير معلوم المدة أو الضرر.
إن احتياجات الكويت الحقيقية على صعيد إصلاح المالية العامة واستدامة الاقتصاد أكبر من أن تتعثر في تأخير تكليف حكومة جديدة، فهو في النهاية أمر إجرائي في ضوابطه الدستورية والقانونية لا يستحق أن يتحول إلى أزمة... لأن الأزمات أو بالأحرى التحديات المستحقة هي التي ترتبط بإصلاحات سياسية واقتصادية ومالية، يبدو أن تأخر تشكيل الحكومة سيكون عاملاً في تعقيدها لا معالجتها.