• لماذا ترتبط جريمة غسل الأموال بالمعاملات المالية؟

- تحاول الدول ملاحقة الأفعال الإجرامية الفردية أو المنظمة على نطاق محلي ودولي، وحيث إن هذه الأفعال تدر أموالا، فإنها بالمقابل بحاجة إلى غسل هذه الأموال حتى تظهر بمظهر الأموال المشروعة.

بالتالي، يسعى صاحب الأموال الإجرامية إلى القيام بمعاملات مالية وهمية حتى تبدو وكأنها جاءت من مصدر مشروع أو على الأقل لتختفي طبيعتها الإجرامية وتندمج بأموال شخص ذي مصدر ثراء مشروع.
Ad


• متى تكون المعاملات مشبوهة؟

- تكون المعاملة المالية مشبوهة إذا كانت وهمية بهدف غسل الأموال الإجرامية، بحيث تنتهي المعاملة إلى:

• منح الأموال الإجرامية مصدرا مشروعا:

فعلى سبيل المثال، يمكن أن يمنح تاجر مواد غير مشروعة أرباحه إلى شخص تابع له ومسخر من قبله، فيقوم هذا الشخص التابع بشراء أسهم أو مجوهرات بأسعار خيالية من مؤسسة تعود ملكيتها للتاجر نفسه، وهكذا ترجع الأموال الإجرامية إلى التاجر المجرم وكأنها ثمن مشروع لسلع ثمينة. • دمج الأموال الإجرامية بالأموال المشروعة:

وفي هذه الحالة، يمنح المجرم أمواله نقدا إلى شخص تابع له معروف بالثراء -مثل مشاهير التواصل الاجتماعي- فيقوم الشخص المشهور بشراء أسهم باسمه لكن يكون المستفيد الفعلي من الشراء والملكية هو المجرم (غسل الأموال عبر دمجها بأموال مالك وهمي).

• هل تقترن فكرة المستفيد الفعلي مع غسل الأموال دائما؟

- بالتأكيد لا، لأن صاحب الأموال قد يكون مالكا أو مسيطرا على شركة خدمة لمصالحه المشروعة، لكنه يستحوذ على نسبة جوهرية من رأس المال (مستفيد فعلي ظاهر)، أو أنه لا يريد أن يظهر للعلن لأي سبب مشروع، مثل عدم الرغبة بالظهور للإعلام، فيقوم بتسجيل ملكيته باسم المستفيد الظاهر ويبقى هو (المستفيد الفعلي المخفي).

وقد يكون السبب غير مشروع لكن ليس لغسل الأموال فقط، بل للتهرب الضريبي، أو لتنفيذ مخططات المنافسة غير المشروعة، أو لتجاوز قيود الاستثمار الأجنبي، وغيرها.

• لماذا يعتبر المستفيد الفعلي ثغرة عملية لدى مكافحة غسل الأموال؟

- المشكلة الأساسية في مكافحة غسل الأموال تتمثل في كيفية اكتشاف المستفيد الفعلي من المعاملات؛ والسبب أن المعاملة المشبوهة تظهر بمظهر معاملة اعتيادية يصعب اكتشاف غاياتها المخفية، وهكذا تجري الأمور لصالح المجرم من خلال أشخاص وجهات تابعة له يمتلكها أو يسيطر عليها.

وبكلمة مختصرة، فإن عدم اكتشاف المستفيد الفعلي من المعاملات المشبوهة يجعل من قانون مكافحة غسل الأموال حبراً على ورق.

• كيف واجه قانون غسل الأموال رقم 106/2013 ثغرة المستفيد الفعلي؟

- كانت ثغرة المستفيد الفعلي من الهموم التي أرقت المشرع الكويتي، حتى إننا نرى المشرع ينص في تعاريف قانون غسل الأموال رقم 106/2013 على تعريف المستفيد الفعلي كالتالي:

«أي شخص طبيعي يمتلك أو يمارس سيطرة نهائية -مباشرة أو غير مباشرة- على العميل أو الشخص الذي تتم المعاملة نيابة عنه، وكذلك الذي يمارس سيطرة فعلية نهائية على شخص اعتباري أو الترتيب القانوني» (م/1 قانون).

وبالتالي فإن:

• المستفيد الفعلي هو «شخص طبيعي»؛ وليس شركة مثلاً.

• المستفاد منه هو «شخص اعتباري» من القطاع الخاص دون تحديد، وهذا يشمل جميع أنواع الشركات والمؤسسات والمنشآت ذات الشخصية الاعتبارية، لكن استثني قرار وزارة التجارة 4/2023 من نطاق تطبيقه الشركات المملوكة بالكامل للدولة أو الشركات التابعة لها بالكامل؛ على اعتبار أن هذه الشركات هي ملك عام، فهي مكشوفة من حيث إن المستفيد الفعلي منها هو الدولة.

• المستفيد الفعلي يمتلك أو يسيطر؛ فالمجرم يكون هو المسيطر على شخص تابع يغسل له الأموال نيابة عنه سواء بشكل مباشر أو عن طريق أشخاص آخرين بشكل غير مباشر... فمثلا، قد يوكل مجرم مهمة غسل الأموال للمحاسبة، فيقوم هذا المحاسب بتكليف شخص آخر تابع له للقيام بمعاملة مشبوهة، وهكذا تكون المعاملات تحت سيطرة المجرم بشكل غير مباشر.

• المستفيد الفعلي يمارس سيطرة فعلية نهائية على شخص اعتباري أو على ترتيب قانوني.

فيكون المجرم مسيطرا على حقوق التصويت في الجمعية العامة للشركة عبر تابعين يظهرون بمظهر الشركاء المستحوذين على الشركة. أما عن الترتيب القانوني، فهو قد يكون على شكل تحالف شركات يسمح للمجرم بتنفيذ معاملات مالية عالمية واسعة لغسل الأموال، بحيث يكون المجرم هو المسيطر الفعلي على هذا التحالف.

• لماذا صدر قرار وزارة التجارة رقم 4/2023 بصدد المستفيد الفعلي بشكل خاص؟


- كان تعريف القانون 106/2013 عاما وغامضا بعض الشيء؛ خاصة على صعيد تحديد النسب المئوية من رأس المال التي تؤدي إلى السيطرة الفعلية من جهة، وكيفية اكتشاف المستفيد الفعلي إذا كان متخفيا بشكل كامل خلف أشخاص تابعين له من جهة أخرى.

وقد أحال القانون صراحة على الجهات الرقابية -ومنها وزارة التجارة إلى جانب البنك المركزي وهيئة أسواق المال- بغرض وضع وتطبيق معايير التملك أو السيطرة فيما يخص المستفيدين الفعليين (م/14-9 قانون). وفي هذا الصدد، صدر قرار وزارة التجارة رقم 4 بتاريخ 4 يناير 2023.

• من هو المستفيد الفعلي وفق قرار وزارة التجارة؟

- جاء القرار لوضع الإجراءات الكفيلة بتحديد هوية المستفيد الفعلي من أية معاملات مالية، حتى يمكن اكتشاف المشبوه منها بعد ظهور المستفيد الحقيقي.

وذلك وفق المعايير التالية:

• الامتلاك أو السيطرة على رأس المال بشكل نهائي من خلال حصص في شخص اعتباري أو أسهم ملكية مباشرة أو غير مباشرة، وذلك بنسبة 25% أو أكثر من رأس المال (م/5-1)، وفي حالة الاشتراك في الملكية تنشأ حالة الاستفادة الفعلية المشتركة (م/5-3).

وهي الحالة التقليدية للمستفيد الفعلي، ولا تشكل هذه الحالة مشكلة عملية إذا كانت بأسلوب الامتلاك المباشر أو غير المباشر من خلال الأقرباء؛ لأن المستفيد يظهر اسمه في سجلات الشركة مثلا أو اسم أحد أقربائه. لكن المشكلة العملية إذا كان مسيطرا على هذه النسبة من خلال أشخاص تابعين له لا يمكن اكتشاف علاقته بهم، فهنا تكون الملكية مخفية تماما عن الجهات الرقابية.

• الامتلاك أو السيطرة على حق التصويت وذلك أيضا بنسبة 25% أو أكثر (م/5-1)، فهنا لا يكون المعيار بالقياس على رأس المال، بل على القوة التصويتية التي تؤثر في إصدار القرارات.

فالتصويت هو حق يمكن أن يشكل امتيازا لبعض الأسهم عن أخرى في شركة المساهمة مثلا، فقد يكون لعضو مجلس الإدارة 1000 صوت على 100 سهم فقط، في حين أن الـ 3000 آلاف صوت أخرى تكون موزعة على 3000 سهم، وهكذا يكون هذا العضو مستفيدا فعليا في الشركة رغم أنه لا يمتلك (25%) من رأس المال، لكنه يمتلك (25%) من القوة التصويتية.

والمثال السابق يتحدث عن حالة امتلاك حق التصويت بالظاهر من عضو مجلس الإدارة، لكن المشكلة تظهر إذا كان هذا العضو تحت سيطرة مخفية تماما من المستفيد الفعلي.