وأعلنت وزارة الداخلية العراقية منتصف يناير تشكيل لجنة مختصة لمحاربة «المحتوى الهابط» الذي «يُخالف الأخلاق والتقاليد» في مجتمع لا يزال محافظاً إلى حد كبير.
واعتبرت الوزارة في شريط فيديو ترويجي للحملة أن «هذا المحتوى لا يقلّ خطورة عن الجريمة المنظمة لأنه سبب من أسباب تخريب الأسرة العراقية والمجتمع». وصدرت أولى الأحكام في هذا الإطار بالسجن لمدة ستة أشهر بحقّ أم فهد، صانعة محتوى يتابعها أكثر من 145 ألف شخص على تيك توك، بسبب مقاطع فيديو تظهر فيها بملابس ضيقة، وهي ترقص على أنغام موسيقى عراقية.
بعد ذلك بأيام، حُكم على عسل حسام، صانعة محتوى عراقية أخرى، بالسجن لمدة عامين بسبب تعليقات اعتبرت ذات دلالات جنسية وفيديوهات ترتدي فيها الزي العسكري بشكل يبرز جسدها.
في المجموع، اعتقل أكثر من عشرة أشخاص بسبب «المحتوى الهابط»، وفقاً لمسؤول في وزارة الداخلية فضّل عدم الكشف عن هويته.
وأكد المسؤول أن منصة أقامتها الوزارة لغرض تسلم الشكاوى المتعلقة بمسألة المحتوى، تلقّت حتى الآن 96 ألف إخبار حول الموضوع.
«مصطلحات فضفاضة
في مدينة العمارة في جنوب العراق، استمع قاضي تحقيق مؤخراً إلى أربعة أشخاص معروفين على مواقع التواصل الاجتماعي، بتهمة الإساءة «للآداب وللذوق العام وخدش الحياء»، وفقاW لبيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى.
ومن بين هؤلاء المتهمين المفرج عنهم عبود سكيبة، الذي له 161 ألف متابع على «تيك توك»، وهو معروف بمقاطع الفيديو الفكاهية التي يردّد فيها كلمات تبدو ككلمات إنكليزية بلهجة أميركية قوية، لكنها غير مفهومة.
أما الآخر فهو حسن الشمري الذي يتابعه أكثر من ثلاثة ملايين شخص على التطبيق الصيني لمقاطع الفيديو, يرتدي حسن في فيديوهاته جلابة ويضع حجاباً أسود على شعره، متنكراً بزي امرأة، ويسمّي نفسه «مديحة» التي تمثّل شخصية امرأة عراقية قوية تتحدّر من بيئة شعبية.
في الفيديو الأخير الذي نشره بعد إطلاق سراحه، أعلن أنه حذف بعض المنشورات التي تحتوى على «إساءة»، لكنه أكد أنه سيستمر في الإنتاج.
بالمجمل، اتخذ القضاء العراقي إجراءات بحق 14 شخصاً في قضية المحتوى «الهابط»، صدرت بحقّ ستة منهم أحكام بالسجن، بحسب القاضي المختص بقضايا النشر والإعلام عامر حسن في مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية.
وقال القاضي في المقابلة «بدأنا بالحالات التي يوجد إجماع على رفضها، موضحاً أن «الحالات التي ليست بهذا الوضوح أي التي قد تختلط بين حرية التعبير وبين المحتوى المخالف للآداب، ستلجأ المحكمة إلى انتخاب خبراء مختصين للبت فيها».
ويشرح مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون لـ«فرانس برس» أنه «لا يوجد قانون للمحتوى الهابط، ليس من حق الدولة أن تتدخل في هكذا أمر».
ويُضيف «الدولة تعتمد على قانون العقوبات، والقانون يحتوي على مصطلحات فضفاضة ومطاطة مثل الآداب العامة وخدش الحياء، كلها قابلة للتأويل والتفسير، وبسببها يعتقل شخص لم يرتكب أي فعل سيء، وربما يفلت من خلالها شخص خالف القانون».
«تكميم الأفواه»
بعد عقود من الصراع والعنف الطائفي بعد الغزو الأميركي الذي أطاح بنظام صدام حسين في عام 2003، عرف العراق استقراراً نسبياً على الرغم من النزاعات السياسية والعنف الذي يهزّ البلاد من وقت إلى آخر.
لكن القيود، لا سيما الاجتماعية، كبيرة على الحقوق، خصوصا تلك العائدة للنساء، وعلى الحريات والمعارضة السياسية والأقليات الجنسية، وهي تصطدم بثقافة أبوية قبلية محافظة جداً.
وشجبت بعثة الأمم المتحدة في العراق في يونيو «بيئة الخوف والترهيب» التي تحد من حرية التعبير.
ويقول سعدون، أن ليس هناك ما يبرر إقصاء صانعي المحتوى على الإنترنت، «ومحاولة تهديدهم ومن خلالهم نبعث رسائل للآخرين بضرورة أن يخففوا انتقادهم، بحجة المحتوى الهابط، أو بحجة الإساءة إلى الدولة».
ويعتبر أن تلك الحملة «محاولة لجس النبض قبل الذهاب إلى مرحلة أخطر، وهي مرحلة محاسبة كل من ينتقد مؤسسات الدولة والسياسيين».
لكن مدير الإعلام والعلاقات في وزارة الداخلية اللواء سعد معن قال في لقاء مع قناة «الرشيد» التلفزيونية العراقية إن «المسألة ليست لها علاقة أبداً بحريّة التعبير»، مضيفاً أن «هؤلاء... لا يمثلون العراق ولا المرأة العراقية ولا المجتمع العراقي».
وكتب الكاتب والمحلّل السياسي العراقي أحمد عياش السامرائي في تغريدة «عشرون عاماً مضت ونرى فيها كل يوم محتوى هابطاً يقدمه لنا ساسة الصدفة وزعماء العمل السياسي ورجال حُسبوا على الدين».
وأضاف «نعرات طائفية، تمييز عنصري، تحريض على العنف، وغيرها، جميعها أضرّت بالمجتمع وأحدثت انقسامات داخله، وشوهت صورته».
وتابع «أنا شخصياً مع الإجراءات التي اتخذها القضاء العراقي... مع صانعي المحتوى، لكن للإنصاف، لم يكن محتواهم أكثر هبوطاً مع من ذكرتهم أعلاه».