غادرت الكويت قبل المساهمة في الانتخابات الأخيرة بيوم واحد (28 سبتمبر)، لأنني مقتنع بألا أمل في علاج الأمراض السياسية للناخبين الكويتيين، حتى صار شفاؤهم منها «بين يوم وليلة» أو «بضغطة زر» صعباً، ويبدو أن «شريم لم يسعفه النفخ»، ولهذا كانت سوءة اختيارات الناخبين، فاختاروا نواباً مشبعين بالطائفية ومعتقين بالقبلية ومتدثرين بالتطرف الديني، وحتى القبيضة عادوا إلى البرلمان، فصحت توقعاتي بصعوبة التغيير قبل وقوع فأس المصالح الشخصية برأس المصلحة العامة.
الغريب أن الكويتيين «الحقيقيين» كانوا يطلقون الصيحات، بطريقة الثورات، مطالبين بتغيير البرلمان والحكومة معاً، واستجابت القيادة السياسية لهذه المطالب، لكي يفتح الكويتيون صفحة سياسية جديدة ويتغيروا بمقدار 180 درجة مثلاً، إلا أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث، فلم يتغير كل النواب ولم يتبدل كل الوزراء.
عند قيام الثورات اعتاد الناس أن يتخلصوا من الحرس القديم بأكمله من الوزراء والنواب الموالين للحكومة والبرلمان السابقين المقلوعين، ليأتوا بشخصيات جديدة، إلا أن ثورة الكويتيين على الحكومة والبرلمان أكدت أننا «لا طبنا ولا غدا الشر»، وأضعنا «فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية»، وكأن مقولة «بقاء الحال من المحال» ليست من مفردات الكويتيين، ولا علاقة لها بما يجري على الساحة الكويتية، لتكون للقيادة السياسية، «إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث» مستقبلاً، ليحق علينا القول «خبز خبزتيه يا الرفلة إكليه».
ولا أدري لماذا يشكو الكويتيون سوء أحوالهم السياسية والاقتصادية وهم السبب الرئيس في ما آلت إليه أوضاعهم التي فاضت بالفساد، لأنني أعرف أن «طقاق روحه ما يصيح»، فعندما يكون الكويتيون هم السبب في تفاقم مشاكلهم السياسية والاقتصادية والمعيشية، ولا أحد غيرهم، حينها لا يحق لأي منهم أن يشكو الحال، فهم الذين لم يحسنوا اختيار النواب، لأنهم يتفننون عبر النواب بالاستيلاء على حقوق الآخرين «بالواسطة»، بسبب القبيلة أو الطائفة أو المال السياسي، ثم بعد كل هذه البلاوي الاجتماعية والسياسية نصيح الويل من نتائج كارثية سيئة لاختيارنا السيئ.
كل هذه الأمور لخبطت أفكارنا حتى أتت كاللهب على مثلنا العليا التي نفاخر بها كتراث، فهل كان عليّ القول «لا تبوق... لا تخاف»، كالقلة الباقية من الشرفاء المعرضين للانقراض؟ أو هي «بوق... لا تخاف»، كأولئك الذين غسلوا وجوههم بالبول، لأنهم يختلطون بالناس ولا يبالون، كأنهم لم يرتكبوا خطيئة في حق الوطن والمواطنين؟
ما استغربته أثناء كتابة هذه المقالة أن سيلاً من الأمثلة الكويتية انهمرت على أفكاري كالمطر، أكدت، لي على الأقل، أن تراثنا يفيض بما يناسب أفعال فاسدين ملأوا دنيانا، حتى في الزمن الجميل، فصار الصادق والأمين والشريف والمخلص عملة نادرة بيننا.
فسألت نفسي: من أين اقتبس الكويتيون «رزق القطاوة على الخاملات»، أو «إذا شبع الحمار نهق»، أو «قطو وطقيته بمصير»، أو «مال عمك لا يهمك»، أو «مخروش طاح بكروش»، أو «ما يمدح السوق إلا من ربح فيه»، أو «الذيب ما يهرول عبث»؟ فكيف ترسخت هذه الأمثال في التراث الخليجي قبل عشرات السنين، لو لم يكن هناك سيئون وفاسدون ومخالفون لفطرة الإنسان الطبيعية؟ فاقتنعت بأن ما نعانيه اليوم من فساد ليس صنيعة اللحظة، ولم يأتنا به غير الكويتيين، فتساءلت: هل يعقل أن يكون الفساد جينات متوارثة لا سمح الله؟ ألهذا السبب منع العمل بالبصمة الوراثية؟