من صيد الخاطر: مضيق البوسفور ورؤية 2023 التركية
مضيق البوسفور يفصل بين الطرفين القاريين الأوروبي والآسيوي للقسطنطينية القديمة إسطنبول الحالية، فهو مضيق اعتبر على مر التاريخ وتغيّر الحضارات الشريان الحيوي الذي قامت على طرفيه الإمبراطوريات التي حكمت العالم، من الإمبراطورية الرومانية مرورا بالإمبراطورية البيزنطية وانتهاء بالسلطنة العثمانية.
يمتد هذا المضيق أو الممر المائي الطبيعي لمسافة 30كم رابطا البحر الأسود ببحر مرمرة ثم البحر الأبيض المتوسط، وبعرض يتراوح بين 0.6كم و3كم، وبعمق يصل حتى 110م، دارت حول هذا المضيق الكثير من الأساطير التي ترويها الآثار القائمة لحضارات أمم سكنت هذه المنطقة منذ آلاف السنين، سادت ثم بادت.
اكتسب مضيق البسفور أهميته، رغم التيارات المائية الشديدة والمتقلبة، لأنه المخرج الوحيد لروسيا ودول شمال آسيا المطلة على البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط، فهو ممر يومي لـ3 ملايين برميل نفط روسي وأذربيجاني وكازاخستاني، إضافة الى أنه معبر حركة السفن التجارية والعسكرية القادمة من دول البحر الأسود، فهو ثاني أكثر المضايق ازدحاماً بعد مضيق دوفر البريطاني، وهناك مقارنة قديمة ونادرة أعلنت سنة 2019 تبين أن السفن التي عبرت المضيق بلغت 53 ألف سفينة مدنية وعسكرية، مقارنة بـ17 ألف سفينة عبرت قناة السويس، و12 ألف سفينة عبرت قناة بنما.
إلا أن أهمية الموقع الجغرافي الذي يتميز به البوسفور، وبسبب الأحداث والحروب التي مرت على تلك المنطقة تحديدا، فقد تم فُرض سنة 1923 توقيع معاهدة لوزان على تركيا، تبعتها معاهدة مونترو سنة 1936 لتنظيم عملية الملاحة البحرية فيه، واعتباره ممراً مائياً دولياً، أي ليس هناك مكسب مالي لتركيا من ذلك الممر، لكنها معاهدة تتجدد كل 20 سنة من دون تعديل، ويبدو أن هذا التجديد بدأ اعتبارا من 1923، ونحن الآن في سنة 2023، وهو موعد التجديد المتوقع أن يكون الأخير في عهد الرئيس إردوغان، فهل يتحقق في هذه السنة الحلم التركي؟ وهل ستستطيع تركيا فرض رسوم عبور لتلك القناة الاستراتيجية، فتبدأ الخزينة التركية باستعادة عافيتها؟ الأيام القادمة ستكشف كل شيء، أم أنه سيستعاض عنها بقناة موازية؟
فهناك رؤية تركية لسنة 2023 لمشروع استراتيجي عملاق لإنشاء قناة إسطنبول بتكلفة 25 مليار دولار لتكون موازية لمضيق البسفور لتخفف حدة الضغط على الملاحة البحرية فيه، فيخصص هذا المضيق للرحلات البحرية السياحية وسفن السفر البحري فقط، وتحويل قناة إسطنبول المائية الى الممر التجاري،
فالقناة الجديدة ستكون تحت سيطرة تركيا الكاملة بلا قيود ولا معاهدات، مما سيمكنها من فرض رسومها وقيودها وضوابطها الخاصة بها.