بنك الأصدقاء

نشر في 17-02-2023
آخر تحديث 16-02-2023 | 19:13
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

هناك من اعتبر أن الصداقة شيء مستحيل، وصنفها ضمن الخرافات، حتى أنهم يقولون في الأمثال إن المستحيلات ثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفي! وهذا تصور مبالغ فيه، فالله يقول: «الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ». (الزخرف: 67)، وهذا يعني أن هناك أخلاء أوفياء في الدنيا، لكن قد يخطئ بعض الناس بوضع وفائه في غير موضعه، ثم يتحسّر عندما يشاهد الحقيقة، «يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا»، (الفرقان: 28)، وأما الصداقة الأكمل والأرقى فهي صداقة الأتقياء، الذين بنوا علاقتهم على أسس ربانية راسخة لا تتزعزع حتى قيام الساعة.

في سن المراهقة كنا نظن أن كل جلسائنا أصبحوا أصدقاءنا لزاما مع العشرة! وهذا تصور طفولي وبريء، فالشخص الذي نجالسه يوميا يكون جليسنا، أو أنيسنا الذي نستأنس بقربه والحديث معه، أو صاحبنا الذي يصاحبنا في اهتماماتنا وميولنا، أو رفيقنا الذي يرافقنا في الحل والترحال ويعيننا ونعينه، أو زميلنا الذي تجمعنا به الدراسة أو الوظيفة أو الهواية، وقد تضعف هذه العلاقة أو تنتهي بانتهاء هذه الظروف، فمن الأجدر لنا أن نفهم هذه العلاقات جيدا، ولا نتوقع المزيد، حتى لا نصاب بخيبة أمل، فقد كان العرب في السابق يطلقون أوصافا دقيقة لجلسائهم، ويعطون الوصف المناسب للعلاقة، فكانوا يسمون من سامرك في الحديث ليلا «السمير»، ويسمون الذي أَلِفهم وأَلِفوه، وسقطت منهم الكلفة «الأليف»، وأما المسامر والصاحب بالشراب فيسمى «النديم»! وأما «العشير» فهو من طالت عشرته وزادت معرفته، لذلك سمي الزوج بالعشير، وليس بالضرورة أن يكون كل عشير حبيباً أو أنيساً «فليس كل البيوت تبنى على الحب».

إن أغلب هذه الأوصاف هي علاقات للتآلف والاستئناس، وليست الصداقة بمعناها العميق.

إن الصداقة باختصار هي صدق المعاملة، والصديق هو من صدقك القول وأخلص لك بِودّه، وهو الذي يعتز بك، ويفرح لتقدمك، ويحزن لتعثّرك، بقلب صادق، وهو الذي يتمنى لك الخير كما يتمناه لنفسه، ويشعر بالمسؤولية تجاهك، ويؤثرك على نفسه، وهو الذي يلتمس لك العذر، ويحمي ظهرك في غيابك، فالصداقة تعني الصدق بالقول والفعل والمشاعر.

فمن كان ملتزما معك بكل هذه الاخلاقيات فهو صديقك الصدوق وسندك، حتى إن بعدت المسافة، وعزّ اللقاء.

الصداقة مسؤولية ثقيلة، لا يقدر أغلب الناس على حملها، فلذلك استأنس بمعارفك وزملائك، وكن أصدق صديق ما استطعت، ولا تُحمّل «السمير» أكثر من طاقته.

يقول أحدهم، لو كانت الصداقة تحسب بمعرفة أسماء الناس وأطباعهم، وبالمؤانسة والمجالسة اليومية، وتبادل الزيارات والضحكات لكنت «بنك الأصدقاء».

back to top