تتصاعد الخلافات بين المستشار الألماني أولاف شولتس ووزيرة الخارجية في حكومته أنالينا بيربوك، ما قد يؤدي إلى تشويش رسائل برلين على الساحة الدولية، ويشكل مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو التجمع السنوي الكبير، بمشاركة قادة سياسيين وخبراء، الذي ينطلق اليوم، المثال الأحدث على ذلك.
فقد كان من المقرر أن تقدم الحكومة الألمانية قبل هذا الاجتماع، بموجب اتفاق الائتلاف الحكومي الموقع في نهاية 2021، «استراتيجية الدفاع الوطني»، لكن نزاعاً على النفوذ بين المستشار والوزيرة المدافعة عن البيئة، اللذين يتنافسان للهيمنة على هذا المشروع، أدى إلى تأجيله إلى أجل غير مسمى.
واستفاضت وسائل الإعلام في تناول هذا الموضوع، من بينها صحيفة «دي تسايت» الأسبوعية المؤثرة التي تحدثت في عنوانها الرئيسي عن «الشرخ» بين شولتس ووزيرة الخارجية التي كانت تطمح إلى شغل منصب المستشارية خلفاً لآنجيلا ميركل في انتخابات 2021. وأشارت متحدثة باسم الحكومة عن العلاقة بينهما، وقالت: «هل نتحدث عن حب هنا؟ لا».
ويبدو المستشار الاشتراكي الديموقراطي (64 عاماً)، الذي لا يكترث كثيراً للتواصل، ويفضل القرارات المدروسة بعناية خلف الأبواب المغلقة للمستشارية، والمدافعة عن البيئة (42 عاماً) التي تعتني بصورتها ولا تتردد في قراراتها، على طرفي نقيض.
وقال الخبير السياسي غيرو نيوغيباور، لوكالة فرانس برس، إن بيربوك، وهي أول سيدة تشغل منصب وزير الخارجية الألمانية، «تحترم السيطرة التقليدية للمستشارية من دون التخلي عن أفكارها»، مضيفاً أن شولتس لا ينوي «السماح بأن تُملى عليه المبادئ الأساسية للدبلوماسية الألمانية». ورأى أنه لهذا السبب «تتسم العلاقة بتوجه كامن نحو الخلاف».
ومن نقاط الخلاف المساعدة العسكرية لأوكرانيا، فبيربوك تقوم بحملة من أجل تسريع زيادة دعم برلين، بينما يوحي شولتس في بعض الأحيان بأنه يماطل.
ولم يرق للمستشار كثيراً تشويش بيربوك على مجلس الوزراء الفرنسي الألماني في 22 يناير بإعلانها في الليلة نفسها على قناة فرنسية أن ألمانيا ستقبل إذا طلبت بولندا موافقتها على تسليم كييف دبابات ليوبارد 2.
في نهاية المطاف، وافق شولتس على ذلك لكن تبين أن وزيرة الخارجية اضطرته إلى ذلك. وذكرت صحيفة «دي تسايت» أن بيربوك أسرت لمحادثيها الأميركيين بأن ألمانيا ستوافق في نهاية المطاف على تسليم الدبابات مما دفع واشنطن إلى تعزيز ضغوطها على برلين.
ورداً على ذلك لم يبلغ شولتس حسب الصحيفة الأسبوعية مباشرة وزيرة الخارجية بقراره إرسال دبابات. وأنهت وزيرة الخارجية هذا الفصل على هامش كرنفال آخن بقولها للجمهور أنها كانت تريد التنكر بهيئة نمر لكنها «خشيت ألا تمنحها المستشارية إذناً بالسفر لأسابيع»، في تلميح واضح إلى الخلاف بشأن الدبابات.
ولا يفوت شولتس أياً من تصريحات وزيرة الخارجية، وقال مصدر قريب من المستشار لصحيفة بيلد: «في المستشارية يتم تسجيل أخطاء بيربوك بعناية».
وقد أزعجه تصريح لبيربوك في نهاية يناير أمام مجلس أوروبا، وقالت وزيرة الخارجية في مداخلة بالإنكليزية سببت إحراجاً حتى في صفوف الوفد المرافق لها «نحن نقاتل في حرب ضد روسيا وليس بيننا».
وهذا ما أفرح موسكو، التي رأت فيه دليلاً على أن الغربيين على خلاف فعلاً، فيما اعتبرت المعارضة الألمانية أن الوزيرة غير مسؤولة، واضطر شولتس، الذي يريد بأي ثمن تجنب أي تصعيد منذ الغزو الروسي، إلى الإدلاء بتصريحات مناقضة لها خلال رحلة إلى أميركا اللاتينية.
وتشكل العلاقة مع بكين محور خلاف آخر، فبيربوك من أنصار اعتماد سياسة متشددة حيال بكين، وانتقدت زيارة شولتس لشي جينبينغ في الخريف الماضي، وقد عبر مكتبها عن عدم موافقته على مشروع بيع بكين محطات في ميناء هامبورغ، وهو ما يؤيده شولتس.
وقالت مجلة دير شبيغل، مطلع الشهر الجاري، إن العلاقة الصعبة بين المسؤولين «تشل التحالف والسياسة الخارجية الألمانية».
وكان المرشحان لمنصب المستشارية في آخر انتخابات تشريعية، تواجها على مقعد نيابي في منطقة بوتسدام، وقد يتنافسان مجدداً في 2025، بينما تظهر استطلاعات الرأي أن بيربوك تتقدم بانتظام على شولتس.