الخبر الذي نشرته الصحف وتفاعلت المواقع الإلكترونية مع عن ضبط 20 ألف طالب غشوا في اختبارات الثانوية لم يكن مفاجأة، فالكتاب «باين من عنوانه»، وقبل إلقاء اللوم على الطالب علينا أن نسأل المجتمع عن علاقته بالغش؟ وهل هو واقع نعيشه ونمارسه وله امتداداته ودلالاته التي جعلت من الغش حقاَ مكتسباً؟
شخصياً لم أستنكر هذا الخبر أو ردة الفعل الباهتة التي تلاشت مع الوقت، وكأن شيئاً لم يحدث بسبب قبول جزء كبير من المجتمع الغش بوسائله الخاصة، والأمثلة كثيرة، ويكفي فتح ملفات التعيينات والعقود والبضائع المقلدة وتخليص المعاملات بالواسطة والرشوة والشوارع الرديئة للتعرف على أي حال وصل إليها مجتمعنا الإصلاحي.
يا ترى لو أن هذا الخبر حصل في اليابان مثلاً مع فارق التشبيه، فكيف ستكون ردة فعل رئيس الوزراء؟ وما موقف وزير التربية؟
الإجابة بسيطة: يخرج رئيس الوزراء معتذراً للشعب، ووزير التربية يستقيل من منصبة مع كل القيادات كجزء بسيط من تحمل المسؤولية الأخلاقية قبل المسؤولية السياسية، وترى الحكومة ومجلس النواب يعملان كخلية نحل لإنقاذ التعليم.
طبعًا وقوع مثل هذه الفضيحة في اليابان فرضية لم يسجلها القاموس الياباني الذي يقوم على تعظيم الأخلاق وتقديس قيم العمل، وليس من طبعه الكذب والتدليس والنفاق، ولا عنده شهادات وهمية ولا تحايل وواسطة، وفوق هذا وذاك قانون يسري على الجميع.
نرجع لهذه الفضيحة المدوية وأسباب شيوعها بين جموع الطلبة، وآثارها على المجتمع، والتصريحات التي يطلقها بعض الطلبة بعدم السماح لهم بالغش، وأن لجان المراقبة فيها محاباة «على ناس وناس»، عندها سنحصل على نتيجة واحدة وهي أن التعليم لا يعاني من الفاقد التعليمي الذي يصل إلى خمس سنوات فقط، بل إلى فقدان الأخلاق وهدم مبادئ التعليم.
من يتحمل المسؤولية؟
هناك بعض النقاط المهمة المرتبطة بهذا السلوك، ودور المجتمع والأسرة ووزارة التربية تجاه هذه الثقافة السيئة التي جعلت الغش وسيلة للتفوق على حساب المجتهدين من الطلبة المجدين ومنها:
أولاً: بعض الأسر تبارك لأبنائها هذا الفعل من خلال توفير المبالغ اللازمة لشبكات تهريب الامتحانات ومصوري البراشيم والسماعات والدروس الخصوصية.
ثانياً: ضعف كفاءة المناهج الدراسية والمعلمين مع استثناء المميزين منهم، وكلاهما أشبعا دراسة دون أن تقوم وزارة التربية بأي إجراء يتناسب مع هذا الوضع المتردي.
ثالثاً: تراخي إدارات المدارس الحكومية في متابعة التحصيل الدراسي للطلبة وغياب دور التوجيه الفني في تقييم كفاءة المعلمين.
رابعاً: تساهل بعض المدارس الخاصة مع الطلبة حتى أن بعضها يقدم التفوق والنجاح هدية لمن يدفع أكثر.
خامساً: تفشي ظاهرة الشهادات الوهمية، وهذا الأمر ينسحب على خريجي الكليات المحلية الحكومية والخاصة، فالواسطة بالدرجات سيدة الموقف.
وكنتيجة لما سبق سيعاني التعليم ولن تتحقق الإصلاحات التعليمية إلا من خلال ثورة تثقيفية ترسخ القيم الأخلاقية، ومعالجة حقيقية لمرتكزات منظومة التعليم (طالب ومعلم ومنهج وبيئة مدرسية وأسرة) وأخيراً محاسبة جادة للقيادات التعليمية، ودمتم سالمين.