يبدو أن الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن منذ تسلمه منصبه، إلى تركيا، تحت عنوان دعمها في وجه الزلزال المدمر، الذي خلف حصيلة مخيفة من الضحايا والأضرار الاقتصادية، لم تنجح في تحقيق انفراجة ملموسة بين البلدين الشريكين في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، والتي تعصف الخلافات بعلاقتهما منذ نحو 10 سنوات.
وقال بلينكن، في مؤتمر صحافي بأنقرة عقب محادثات مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، إن الولايات المتحدة وتركيا لا تتفقان في كل القضايا، لكنهما تقيمان «شراكة صمدت في وجه التحديات»، في حين شدد الوزير التركي على أن تعاون واشنطن مع «المنظمات الإرهابية»، في إشارة إلى أكراد سورية، أمر غير صائب.
وبالإضافة إلى موضوع الزلزال، ركزت تصريحات المسؤولين خلال مؤتمرهما الصحافي على 4 قضايا رئيسية، هي: صفقة شراء تركيا مقاتلات F16 مطورة، والعرقلة التركية لانضمام السويد وفنلندا للناتو، والخلاف حول «وحدات حماية الشعب الكردية» السورية، والحرب الروسية على أوكرانيا.
صفقة الـ F16
وبخصوص صفقة الـ F16، قال جاويش أوغلو، إن أنقرة تتوقع دعم الكونغرس الأميركي للمضي قدماً في الصفقة التي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار، مشيراً إلى أن تركيا تريد من الإدارة الأميركية إحالة الإخطار الرسمي بشأن المقاتلات إلى الكونغرس، ومشدداً على أن تركيا لا يمكنها شراء المقاتلات وفق شروط تقييدية مسبقة.
في المقابل، قال بلينكن إن «إدارة (الرئيس جو) بايدن تدعم بشدة الحزمة الهادفة إلى تحديث طائرات F16 الموجودة أصلاً وإلى تزويد تركيا بأخرى جديدة» مشيراً إلى عدم تمكنه من إعطاء «جدول زمني رسمي» لذلك، إذ إن أي عملية بيع تكون مشروطة بمنح الكونغرس، الذي يعارض الصفقة، ضوءه الأخضر.
السويد وفنلندا
كذلك عبّر بلينكن وجاويش أوغلو عن اختلافهما في الرأي حول قضية انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو وهو ما يتطلب اجماعاً من دول الحلف. وذكّر الوزير الأميركي بأن البلدين الاسكندنافيين اتخذا «تدابير ملموسة» بموجب المذكرة الموقعة مع تركيا، وينبغي ضمّهما إلى الناتو «في أقرب وقت ممكن».
من جانبه، رأى جاويش أوغلو أنه على جميع الأطراف إقناع السويد باتخاذ خطوات ملموسة لتهدئة مخاوف تركيا، وشدد على أهمية التزام فنلندا والسويد بمذكرة التفاهم التي توصلتا إليها مع أنقرة، مضيفاً أن «جعل انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو شرطاً للحصول على F16، سيكون أمراً غير عادل»، وقال «يجب ألا تكون يدا تركيا مكبّلتين».
«الوحدات الكردية»
وتعتبر «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تشمل العمود الفقري لقوات قسد المتحالفة مع واشنطن في سورية وتعدها تركيا تهديداً مستمراً لها على طول حدودها الجنوبية، إحدى النقاط الخلافية بين الجانبين الأميركي والتركي. واكتفى الوزير الأميركي بالإشارة إلى أن بلاده تدرك تماماً المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا بشأن حدودها الجنوبية، وتعهد بالعمل سوياً وعن كثب لمعالجة مخاوفها.
وأضاف سنقف مع تركيا جنباً إلى جنب في القضايا الأمنية المشتركة، كبلدين صديقين وحليفين رغم بعض الخلافات.
أما وزير الخارجية التركي، فرأى أن تعاون الولايات المتحدة مع تنظيم «بي كي كي» (حزب العمال الكردستاني)، و «واي بي جي» (وحدات الحماية الكردية) بدعوى مكافحة تنظيم الدولة يعتبر أمراً غير صائب. وأكد أن على الحلفاء محاربة الإرهاب بكل أشكاله، وينبغي على أميركا اتخاذ خطوات ملموسة بما يتماشى مع الاتفاقات السابقة.
الحرب الروسية - الأوكرانية
وأشاد بلينكن بدور تركيا في دعم أوكرانيا، وبالدور الذي قامت به في سياق الحرب الروسية ألأوكرانية، خاصة ما يتعلق بدورها في اتفاق الحبوب، الا أن جاويش أوغلو شدد على إن تركيا لا تسمح من خلالها بخرق العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على روسيا. وكان وفد اميركي زارة أنقرة أخيرا لمعاينة مدى الالتزام بالعقوبات على روسيا وسط تهدديات اميركية بفرض عقوبات على المخالفين.
وكذلك التقى بلينكن في أنقرة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بعد تفقّده أمس مناطق منكوبة جراء الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا، واعلانه تقديم مساعدات إضافية لتركيا بقيمة مئة مليون دولار. وسبق أن قدّمت واشنطن حزمة أولى من المساعدات الإنسانية بقيمة 85 مليون دولار.
بعدها توجه بلينكن الى أثينا، حيث سيعقد سلسلة اجتماعات مع مسؤولين في اليونان؛ خصم تركيا التاريخي وشريكها في حلف شمال الأطلسي.