في مبارزة كلامية غير مسبوقة تذكّر بأشدّ ساعات الحرب الباردة توتّراً، ألقى الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن خطابَين، الأول من موسكو والثاني من وارسو، عرضا فيهما وجهتَي نظر متعارضتين بشأن غزو أوكرانيا.
ومع حلول الذكرى الأولى لهجومه على أوكرانيا، وجّه بوتين تحذيراً نووياً للغرب مع تعليقه المشاركة في معاهدة «نيو ستارت» المهمة مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة الذرية وإعلانه استخدام أنظمة استراتيجية جديدة في المهام القتالية وإمكانية استئناف التجارب النووية.
وفي أول خطاب أمام النخبة السياسية منذ بدء الحرب، اتهم بوتين الغرب بالتخطيط لاستهداف وضرب منشآت روسيا النووية ووقوفه وراء محاولات أوكرانيا ضرب القواعد الروسية، لافتاً إلى أن فرنسا وبريطانيا تطوران قدراتهما النووية لتوجيهها ضد الروس.
كما اتهم الغرب بالسعي إلى تحويل النزاع الأوكراني إلى مواجهة عالمية لهزيمة روسيا والقضاء عليها مرة واحدة وإلى الأبد، لكنه شدد على أنهم أخرجوا المارد من القمقم ولا يمكنهم هزيمتها في أرض المعركة.
وقال بوتين إن «قادة الغرب يستخدمون أوكرانيا كساحة للحرب وكلماتهم كانت مجرد ذرائع لكسب الوقت لإعدادها للمواجهة، وكنا نعرف أن الخطوة التالية بعد دونباس هي الهجوم على القرم».
وإذ أكد أنه مصمّم على مواصلة عملية أوكرانيا بتروٍّ وانتظام لتحقيق أهدافها، تعهد بوتين بتطوير موانئ البحر الأسود وبحر آزوف وبناء ممرات لوجستية جديدة وتوسيع العلاقات الخارجية وزيادة التعاون خصوصاً مع الهند وإيران وباكستان والعمل مع الشركاء لإنشاء نظام مصرفي مستقل عن الدولار.
في المقابل، أكّد الرئيس الأميركي، غداة زيارته المفاجئة إلى كييف، أن «حلف شمال الأطلسي (الناتو) أقوى من أي وقت مضى».
وقبل إلقائه خطاباً عند القلعة الملكية في وارسو، جدد فيه الدعم لأوكرانيا مهما تطلب الأمر ووجه فيه رسائل إلى بوتين وشعبه، بحث بايدن مع نظيره البولندي أندريه دودا توسيع وجود «الناتو»، وأكد لقادة مجموعة «بوخارست التسع» دعمه الثابت لأمنهم، وتحدث عبر الهاتف مع قادة المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا.
وفي تفاصيل الخبر:
قبل ثلاثة أيام من الذكرى الأولى لبدء الهجوم على أوكرانيا، حذر الرئيس فلاديمير بوتين أمس من أن روسيا تواجه خطراً وجودياً، وستتعامل بشكل مناسب مع تحويل النزاع إلى مواجهة عالمية، مشدداً على أنه يستحيل هزيمتها في أرض المعركة.
وحمّل بوتين، في أول خطاب منذ بدء الحرب أمام الجمعية الوطنية، التي تضم البرلمان بمجلسيه الدوما والفدرالي وقادة الأقاليم وكبار المسؤولين العسكريين والسياسيين، «الغرب المسؤولية عن تأجيج النزاع الأوكراني وتصعيده، وعن عدد الضحايا، واستخدامه القضاء على روسيا للأبد»، قائلاً: «النخب الغربية أطلقت العنان للحرب، وأخرجت المارد من القمقم، ولا تخفي هدفها بإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، والقضاء علينا مرة واحدة وإلى الأبد».
وتابع: «روسيا تواجه خطراً وجودياً، ومن المستحيل هزيمتها في أرض المعركة، سنفعل كل شيء من أجل عودة السلام إلى أراضينا»، مضيفاً أن «قادة الغرب يستخدمون أوكرانيا ساحة للحرب، وكلماتهم كانت مجرد ذرائع لكسب الوقت لإعدادها للمواجهة، وكلما زاد مدى الأسلحة التي يزودونها بها قامت روسيا بدفع العدو بعيداً عن أراضيها».
واستدرك: «أخاطبكم في ظل تغييرات جذرية وأحداث تاريخية تحدد مستقبل وطننا وشعبنا، حينما كانت روسيا صادقة بشأن اتفاقيات مينسك، كان الغرب يقوم بمسرحية دبلوماسية، وكنا منفتحين ومستعدين للحوار، وكنا دائماً نسعى إلى الضمانات الأمنية للجميع بمساواة وعدل»، مضيفاً: «كنا نعرف أن الخطوة التالية بعد دونباس هي الهجوم على القرم. نحن ندافع عن وطننا، الغرب أضاع 150 مليار دولار لتسليح أوكرانيا، ومنح خلال عام 2020 الدول الفقيرة 60 مليار دولار. قارنوا الأرقام».
وأردف: «الغرب كان يلعب بأوراق مخلوطة ويحتفل بخياراته فهو معتاد على البصق على العالم كله، ونحن لا نحارب الشعب الأوكراني، لأنه أصبح أسيراً للغرب على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري»، متابعاً أن «الولايات المتحدة هي البلد الوحيد الذي يمتلك عدداً كبيراً من القواعد العسكرية حول العالم هناك المئات من القواعد العسكرية لحلف الناتو»، وكشف عن «إرساله فريقاً للتحدث معهما عن ضمانات سلمية قبل الحرب لكنهما رفضاها».
واتهم بوتين الغرب بالسعي لتحويل صراع محلي إلى نزاع عالمي ومحاولة هدم القيم الأرثوذكسية خاصة عندما يتعلق الأمر بالأسرة، مشيراً إلى تخطيطه (الغرب) لاستهداف وضرب منشآت روسيا النووية، ووقوفه وراء محاولات أوكرانيا ضرب قواعدها، وأضاف أن فرنسا وبريطانيا تطوران قدراتهما النووية لتوجيهها ضد الروس.
وإذ أكد بوتين أنه «مصمم على مواصلة عملية أوكرانيا بتروّ وانتظام لتحقيق أهدافها وضمان الأمن والقضاء على تهديدات نظام النازيين الجدد في كييف»، لفت إلى أن «أوكرانيا كانت تستعد للقيام بعملية عقابية واسعة النطاق ضد دونباس، وكانت تخطط لاحقاً لمهاجمة شبه جزيرة القرم، ما دفعه إلى التحرك قبل فوات الأوان».
وشدد على أن معظم أبناء الشعب الروسي أيدوا الدفاع عن المناطق الروسية الجديدة وزيادة برامج دعمها، بمواجهة الغرب الذي سرق ذهبه ويخوض ضده حرباً اقتصادية بهدف تجويع، لكن ذلك لن ينجح، مبيناً أن الغرب أخضع النظام الأوكراني وقام بإعداده لحرب طويلة المدى من أجل نشر قواته المسلحة قرب الحدود الروسية ونشر المختبرات البيولوجية السرية وبسط السيطرة على مسرح العمليات العسكرية.
وقرر تعليق مشاركته في معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية والهجومية «ستارت»، وتعهد بتطوير موانئ البحر الأسود وبحر آزوف وبناء ممرات لوجستية جديدة وتوسيع العلاقات الخارجية وزيادة التعاون، خصوصاً مع الهند وإيران وباكستان، والعمل مع الشركاء لإنشاء نظام مصرفي مستقل عن الدولار.
ودعا المستثمرين إلى وضع أموالهم في روسيا، حيث الدولة والمجتمع سيوفر لهم الدعم، مشيراً إلى أن «الانتخابات الرئاسية ستجرى عام 2024 وفق القانون وباحترام الإجراءات الديموقراطية كافة».
وغداة زيارته غير المعلنة لكييف، ألقى الرئيس الأميركي خطاباً من بولندا، جدد فيه الدعم لأوكرانيا مهما تطلب الأمر ذلك، ووجه فيه رسائل إلى بوتين وكذلك إلى الشعب الروسي.
وبحث بايدن، مع نظيره البولندي أندريه دودا وقادة آخرين، تعزيز أمن بولندا، وزيادة وجود الناتو فيها، قبل لقائه قادة مجموعة «بوخارست التسع» من الكتلة الشيوعية السابقة التي انضمت إلى حلف شمال الأطلسي، وهي بولندا ورومانيا وبلغاريا وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وتشيكيا وسلوفاكيا، وتأكيد دعمه الثابت لأمنهم.
وسيتحدث عبر الهاتف مع قادة المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا، حسبما أفاد البيت الأبيض، وكذلك ينتظر المستشار الألماني أولاف شولتس في واشنطن في 3 مارس.
في هذه الأثناء، استدعت الخارجية الروسية السفيرة الأميركية لين ترايسي لتسليمها طلباً بسحب «جنود وعتاد» حلف الناتو من أوكرانيا، موضحة أنه «لوحظ بشكل خاص أنه من أجل تهدئة الوضع، يتعين على واشنطن اتخاذ خطوات نحو سحب قواتها وعتادها التابع لحلف شمال الأطلسي ووقف أنشطتها المعادية».
ووسط ترقب لخطاب السلام للرئيس الصيني شي جينبينغ هذا الأسبوع في ذكرى غزو أوكرانيا في 24 فبراير، دعا وزير خارجيته تشين غانغ إلى «تعزيز الحوار» في أوكرانيا، والتوقف عن «تأجيج النار»، محذراً من «تفاقم الصراع وخروجه عن السيطرة».
ومع وصول كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي إلى موسكو، أمس، محطته الأخيرة في جولة أوروبية، قال وزير الخارجية: «سنواصل تعزيز حوار السلام. وسنعمل مع المجتمع الدولي من أجل تعزيز الحوار والتشاور، ومعالجة مخاوف كل الأطراف، والسعي لتحقيق الأمن المشترك وعدم سكب الزيت على النار، أو استغلال الفرصة».
وأصدرت الصين رؤيتها بشأن «مبادرة الأمن العالمي»، الذي يتبناه الرئيس شي، ويهدف إلى دعم مبدأ «الأمن غير القابل للتجزئة»، وهو مفهوم أيدته روسيا وحدد المفاهيم والمبادئ الأساسية للأمن والسلم الدوليين.
وقال الوزير إن «الصين تعارض بشدة جميع أشكال الهيمنة وسياسات القوة، وعقلية الحرب الباردة والمواجهة بين الكتل، والتدخل في الشؤون الداخلية للصين من قبل القوى الأجنبية».
وأكدت وزارة الخارجية الصينية أن «زيارة وانغ يي لموسكو هدفها تعزيز علاقات ومصالح البلدين»، مشيرة إلى أن «الصين تلعب مع روسيا دوراً إيجابياً في السلام العالمي، ولا تقبل أبداً أن تنتقد الولايات المتحدة علاقاتهما لأنها أكبر مصدر للأسلحة في العالم».
وعبر أمين حلف «الناتو» ينس ستولتنبرغ عن القلق أكثر فأكثر من احتمال إمداد الصين روسيا بأسلحة فتاكة لحربها في أوكرانيا، مشدداً على أن «بوتين هو من بدأ الغزو الإمبريالي ويستمر في تصعيد الحرب».
في غضون ذلك، قامت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني بأول زيارة لكييف، وعقدت اجتماعاً مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، قبل تفقدها «أماكن رمزية» للمقاومة.
وزارت ميلوني أمس الأول وارسو، واجتمعت بنظيرها البولندي ماتيوش مورافيتسكي، والرئيس دودا، كما تحدثت عبر الهاتف مع بايدن بعد زيارته لكييف، بحسب مكتبها.