ربما كانت جريدة «الجريدة» الصحيفة الوحيدة التي نقلت إلينا ملخصات أوراق منتدى التنمية الخليجي الذي عقد في الكويت أول فبراير الجاري، ثم جاءت مقالة الزميل الدكتور حامد الحمود في «القبس» لتسلط الضوء على موضوع الفساد في دول مجلس التعاون الخليجي وهو محور المنتدى.
اجتهدت وعانيت كي أحصل على أوراق البحث التي قدمت في «منتدى النخبة الخليجية» رقم 41 والتقيت بالكاتبة والمشاركة الزميلة خولة مطر واستمعت إليها وإلى عدد من الزملاء الذين حضروا المناسبة، وتوقعت أن أقرأ تشخيصاً حقيقياً يلامس الواقع الذي تعيشه هذه المجتمعات عن «الفساد وتأثيره على التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي» لكن أملي خاب بما قرأته.
يبدو أن الموضة الدارجة في المنطقة رفع شعارات لها جمهور يطرب لسماعها، فالفساد ظاهرة مستفحلة والجميع يشكو ويتألم منها، بل وصلت إلى «كرة ثلج» كبيرة من الصعب الحد من استفحالها!! وعدنا إلى الوراء قليلاً، أي إلى السنوات الأولى من انطلاق المنتدى في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، حيث شاركت في عدد من الدورات التي عقدها وكان بمنزلة النبض الحي لطبقة المثقفين والمفكرين ومشاركتهم الفعالة والمؤثرة في عموم المنطقة الخليجية.
أتذكر أنه كان للنقاشات التي كانت تدور والشخصيات التي تثري المنتدى بآرائها الجريئة صدى واسع، يتم التفاعل معها في الصحافة والمنتديات ومجالس الأمة، كان المنتدى عبارة عن «برلمان خليجي مفتوح» تسعى النخبة إلى أن يكون لها صوت ورأي في قضايا التنمية والتعليم والإصلاح.
وعلى مدى 41 سنة وتنقل المنتدى بين عاصمة وأخرى خفت الصوت كثيراً، وكاد يتحول إلى «موتور كاتم للصوت» يعمل بصمت دون أن يحدث هزة أو ارتداداً بلغة الزلازل، كما كان في السابق.
السؤال هنا: هل ضاقت مساحة الحرية أم تراجع دور النخبة المثقفة والأكاديمية، أم أن البيئة الحاضنة لم تعد تهتم أو تصغي لهذه الطبقة من المفكرين؟ وبمعنى أوضح: هل أفلست النخبة وهي التي تمثل أحد أوجه المجتمع المدني من تقديم رؤى إصلاحية، أم أنها انحازت وتخلت عن دورها ومهمتها؟
بعضهم يرى أن التقسيمات والتصنيفات الدارجة في الأدبيات السياسية في الأنظمة الديموقراطية لا يتماشى ولا يتلاءم مع الحالة الخليجية ككل، فما يصح القول في تونس أو مصر أو السويد قد لا ينطبق على منظومة بلدان مجلس التعاون.
هناك مشكلات اجتماعية واقتصادية وغيرها في هذه المجتمعات، تحتاج إلى من يقرع الجرس بشأنها وبدرجة عالية من المسؤولية الوطنية والمهنية، لكن بجرأة وعقلانية، ففساد الرأي لا يقاومه إلا من يحمل ثقافة الإصلاح والتنوير والانفتاح.
لن نبخس القائمين على المنتدى حقهم من التقدير والمتابعة والإصرار على البقاء، لكن نتمنى أن يكون منبراً فاعلا كما عهدناه، فهذا ما يعزز بيئة العمل ويعطيها مزيداً من التحصين في مواجهة الأزمات والمشاكل التي تتعرض لها المنطقة.
مازال الرهان قائماً على تفعيل المجتمع المدني كواجهة حضارية لهذه المجتمعات بالرغم مما أصابه من انتكاسات وانقسامات وحتى فساد جعله في دائرة التشكيك في عموم المنطقة العربية.