في الصميم: لا إتقان ولا إنجاز بلا رقابة
ورد عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ»، وهو بمنزلة أمر إلهي، والإتقان وإنجاز العمل لن يتأتيا ما لم تكن هناك رقابة، إما رقابة ذاتية خوفا من رب العالمين وهذه حالات نادرة، فالخوف من الرقابة الإلهية تكاد تكون معدومة، خصوصاً عندما يتغلب الطمع على النفوس، وعندها يجب أن تتدخل الرقابة الحكومية الرسمية الصارمة النزيهة القوية والكفؤة لضبط مصالح البلد.
المشاريع العملاقة التي قامت في الدول العلمانية المتقدمة علميا وصناعيا وحضاريا لم ينفذها مقاولون يخافون الله، أو يحرصون على مرضاته، إنهم أتموا وأنجزوا وأتقنوا المشاريع المسندة إليهم انصياعا للرقابة اللصيقة والحازمة، وخوفا من تطبيق القانون عليهم بحذافيره، وإلا تعرضوا للغرامة والعقاب.
معظم المشاريع التي أنجزت عندنا كدولة إسلامية لم تكن متقنة، وعدم إتقانها يدل على غياب الرقابة، وإن وجدت فهي بلا كفاءة ولا خبرة وبلا شهادات حقيقية وما أكثرها، أو أنه بسبب التغاضي مقابل رشا، وهذه أمور معروفة ومعروضة على المحاكم.
شوارع الكويت أصبحت حديث الساعة، لم يبق أحد لم يكتب عنها أو يتضرر منها، شوارع الكويت الآن وصمة عار في جبين الجميع، إنها واجهة البلد وإنها تشير وتدل على أن الفساد وصل إلى العظم، واضح فيها غياب الرقابة اللصيقة والتهاون في المواصفات والتنفيذ والإتقان، وواضح التخاذل والتساهل الحكومي والصمت النيابي المريب تجاه منفذيها، فهل يعقل أن كل هذا التذمر الشعبي، وآلاف المقالات والدراسات الكاشفة لسوءاتها، ورغم كل التقارير الأجنبية التي صنّفت شوارع الكويت بأنها الأسوأ، ومع هذا لم يرف جفن لا للحكومة الرشيدة ولا لنوائب الأمة؟
المشاريع في الكويت في أكثرها ليست فقط غير متقنة، لكنها أيضا غير مكتملة، أو متأخر إنجازها، وهي أيضا مشكلة يستعصي حلها، وهو وضع فعلا محّير، فكل دول العالم عندما تطرح مشروعاً ما فإنها تضع له مواصفات معينة، وجدولاً زمنياً يحدد مدة إنجازه، فيغرم المقاول على أي عمل مخالف لما اتفق عليه، إلى جانب ذلك هناك مكافآت ترصد للمقاولين الذين ينجزون أعمالهم بإتقان وفي زمن قياسي أقل، أما في الكويت فنعود ونكرر: لا رقابة صارمة ولا جزاءات، وكأن تلك المشاريع تطرح لتنفيع مقاولين بعينهم لا من أجل المصلحة الوطنية للكويت.
المشكلة في الكويت تكمن في غياب الإدارة الحازمة المتمكنة المراقبة مباشرة على مواقع العمل، وفي الصراع الشرس بين حيتان الفساد الدائر على أشده، صراع دام منذ عقود ولا يزال مستمراً بقوة، جاذبين معهم سلسلة وظيفية وتنفيذية وإشرافية ورقابية فاسدة ومفسدة من مواطنين ووافدين، غير عابئين بالوطن والمواطن، ضامنين سلامتهم، محتفظين بما نهبوه من مال عام.
نقول: بعد ما مرت به الكويت من نكسات سياسية وتنموية وتعليمية، أوصلت الكويت إلى ما هي عليه الآن فقد أصبح من الضرورة القصوى فرض الرقابة اللصيقة على الجميع، بما فيها كل المؤسسات المنتخبة وعلى رأسها التشريعية والبلدية، رقابة مستقلة ونزيهة، فلا مجال هنا للسفسطة الانتخابية والتمترس وراء حصانات استغلت أبشع استغلال لتفرز طبقة فاسدة من قبيضة مستعدين أن يبيعوا ضمائرهم وشرفهم وحتى مصلحة البلد لمن دفع.