الدولة النفطية هي الدولة التي تصر منذ عقود على التمسك بالنفط كمصدر وحيد للدخل والطاقة بالرغم من تقلبات أسعاره، وارتفاع كلفة استخراجه، وتطور تقنياته، وتعدد بدائله، وكثرة متطلباته، وعدم استدامته، إلا أن الدولة النفطية مستمرة في نظامها التقليدي في الاستكشاف والاستخراج والتكرير والتسويق والنقل منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى باتت من أكثر الدول ولاءً للنفط وأكثرها اعتماداً عليه لإدارة ماليتها وتمويل تنميتها، مقسمةً القطاع إلى ثلاثة أضلاع بين الوزارة، والمؤسسة، والمجلس الأعلى للبترول.
دور الوزارة الإشراف والرقابة، وسلامة العمليات البترولية، والتأكد من مردودها الاقتصادي، وتحصيل أموال الدولة، والعلاقات الدولية، والتعامل مع مجلس الأمة، أما مؤسسة البترول فتجمع كل الشركات تحت مظلتها بعد أن كانت تعمل كل شركة بشكل منفرد، في حين يقوم المجلس الأعلى للبترول برسم السياسات للاستغلال الأمثل للثروات البترولية ومصادر الطاقة النفطية، وإنشاء صناعة وطنية متكاملة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية للكويت.
إذاً المجلس الأعلى يرسم السياسات، والمؤسسة وشركاتها النفطية تنفذ، والوزارة تشرف وتراقب القطاع النفطي، لكن لماذا لم تتمكن هذه المنظومة من خفض مصروفات القطاع وزيادة إيراداته؟ ولماذا لم تنفذ استراتيجية النفط في 2020 الخاصة بإنتاج 4 ملايين برميل، ومليار ونص قدم مكعبة من الغاز، وقد تم تأجيل إنتاج 4 ملايين برميل إلى 2040 وإنتاج الغاز إلى 2030؟! وكذلك مشروع حقول الشمال الذي استغرق النقاش فيه أكثر من 13 سنة، ولم ينفذ لأسباب سياسية، ولوجود رأي مؤيد للاستعانة بالشركات النفطية الأجنبية، ورأي آخر مع تنفيذه من شركات النفط المحلية إلى جانب الاستعانة بمستشارين عالميين؟!
وهل كانت الوزارة تغذي المجلس الأعلى للبترول بتقرير مستقل عن وضع القطاع النفطي وأداء الشركات النفطية، وزيادة حجم العمل لدى المقاول على حساب تقليل العمل للعمالة الوطنية داخل الشركات النفطية؟ فقد أدت هذه الاختلالات إلى ضعف المستوى الفني والتأهيلي للعمالة الوطنية التي أثبت إطفاء الآبار بعد التحرير مدى كفاءتها وإخلاصها.
لماذا لم تُنفذ الدراسة التي وضعت بعد الغزو بشأن صيانة المصافي والتي فصّلت فيها الأعمال التي تقوم بها العمالة الوطنية في الشركات البترولية عن الأعمال التي يقوم بها المقاولون، والتي تم فيها التأكيد على أن الأعمال الأساسية تقوم بها الشركات البترولية الوطنية، في حين الأعمال المساندة يقوم بها المقاولون للمحافظة على التوازن وتنمية الخبرات الوطنية وتوطينها؟
لذلك يجب إعادة النظر في طريقة عمل المقاولين في القطاع النفطي حتى لا نفرط في الممارسات الفنية والإدارية للقيادة الوسطى في الشركات النفطية، فالقطاع النفطي بحاجة إلى تأهيل وتدرج سليم للكادر الفني الوطني من أهل الاختصاص (مهندسو البترول) الذين يمثلون القلب النابض للقطاع ومستقبله والضامن لتحقيق استراتيجياته واستمرارية عملياته وتوسعة إنتاجه واستدامة إيراداته.
فرؤية القطاع النفطي واستراتيجيته في السنوات القادمة يجب أن تعتمد على الكوادر الوطنية البترولية وتوطين خبراتهم لتحقيق الاكتفاء الذاتي بدلاً من استبعاد مهندسي البترول من خريجي الجامعات العالمية المبتعثين من الدولة لصالح عقود لمقاولين شلّت حركة توسع الشركات النفطية فنياً وتقنياً وأفقياً ورأسياً وبترولياً!
فالدولة النفطية لا تقوم بعمل قرعة لتوزيع الموظفين الجدد على الشركات النفطية!! بل لديها خطط لاستيعاب كل مهندسي البترول في مواقع مخصصة لهم في الهيكل الإداري التابع لشركاتها النفطية، مدركةً أن رأس المال البشري من الكوادر الوطنية البترولية من خبرات ومتدربين وحديثي تخرج هم اللبنة الأساسية لحاضر الدولة النفطية ومستقبلها.