لافت للأنظار ومثير للاستغراب محاولة فرض حالة مستمرة ومتلاحقة من تكريس مشروعية الواقع، تلك الممارسة التي تلجأ لها السلطة والحكومة ومجلس الأمة، بل والقضاء أحياناً، لجعل الواقع والممارسة الفعلية هما سند عمل الدولة وسلطاتها بل ومؤسساتها.

ولعل الاستمرار بنهج سياسة مشروعية الواقع صار أمراً ملحوظاً ومقصوداً، وصار من اللازم رصده والحديث عنه واستنكاره وما سيتولد عنه من آثار سلبية قانونياً وسياسياً وربما إدارياً، فضلاً عما يحدثه من تغيير عملي لقواعد المشروعية، وهو ما يعني تنقيحاً واقعياً وفعلياً للدستور والقوانين، مما يستوجب التصدي له تنبيهاً ونصحاً ثم نقداً واستنكاراً.

Ad

ولعل أول ما يمكن رصده في هذا الخصوص هو الفراغ الدستوري الناشئ عن استقالة الحكومة وقبولها، ثم استمرار حكومة تصريف عاجل الأمور لمدة شهر دون أن يتم البدء بإجراءات تعيين رئيس وزراء جديد وفقاً للمادة 56 من الدستور. ومنه توقف أحوال البلد السياسية والتنفيذية والإدارية وتعطلها بسبب وجود حكومة بلا صلاحيات هي «حكومة تصريف عاجل الأمور».

فجلسات مجلس الأمة على مدى أكثر من شهر معلقة ومعطلة بسبب هذه الممارسات المتجاوزة لأحكام الدستور، وأحوال البلد السياسية العامة والتنفيذية متوقفة، فمجلس الوزراء كأعلى سلطة تنفيذية متعطل في معظم سياسات وقرارات البلد المهمة، وبالتبعية فإن أعمال الوزارات أيضاً متعطلة وكذلك التعيينات والنقل والندب، وكثير من المجالس التنفيذية والإدارية إما متعطلة أو متوقفة، وهو واقع يكرس نمطاً ومشروعية جديدة يجب أن تقف ويتم التخلي عنها تحقيقاً لمصلحة البلد والالتزام بالمشروعية الدستورية.

والبلد يعاني منذ سنوات طويلة ومازال من خلو مناصب قيادية عديدة وفراغ إداري مخيف، فجامعة الكويت تدار بمدير بالنيابة والهيئة العامة للتعليم التطبيقي ومجلس الجامعات الحكومية والخاصة، ومديري مؤسسات وهيئات أخرى عديدة حالها مشابه، فضلاً عن أن العديد من المسؤوليات معطلة وتسير بالإنابة والقرار فيها متوقف رغم أن القرار الحكومي في الأساس متردد ومتعثر بسبب الخوف من المسؤولية.

ولا بد من أن نشير إلى أن سياسة الواقع والمشروعية الفعلية حملت القضاء، وبكل أسف، مهمة أن يبررها، وهو ما تبنته المحكمة الدستورية، في مسلك يخرج عن ولايتها ويتعدى نصوص الدستور، حينما قررت أن القوانين التي صدرت أثناء غياب مجلس الأمة أثناء تعطيل أحكام الدستور صدرت عن سلطة فعلية انعقدت لها السلطة دون أن تستمد من الدستور، وهو مسلك خطير ومنتقد وفيه إلغاء للدستور الذي هو أصلاً مصدر السلطات وسبب وجودها، تلك السلطات التي حولتها المحكمة الدستورية لسلطة فعلية والقول بأنه مصدر لمشروعية الدستور ليس سندها، وهو اجتهاد خاطئ وتنكب عن طريق الصواب ومنافٍ للمشروعية الدستورية، وغني عن البيان أن محاولة الاستمرار بتكريس الواقع لا توجد حكماً ولا قاعدة تكون سنداً لقانونية أية أعمال أو ممارسات ولا تكسب مركزاً ولا تولد أثراً ولا تكسب مشروعية طالما أنها تخالف أحكام الدستور.