الين يتّجه إلى الهبوط

نشر في 25-10-2022
آخر تحديث 24-10-2022 | 20:37
 بروجيكت سنديكيت اشترت الحكومة اليابانية الين من سوق الصرف الأجنبي لأول مرة منذ عام 1998، وكانت وزارة المالية تحاول وقف انزلاق الين السريع، ولفترة من الوقت بدا الأمر وكأن التدخل بضخ 20 مليار دولار قد نجح في أداء الغرض منه؛ فقد ارتفعت قيمة الين من نحو 146 ينا للدولار إلى أقل قليلا من 141 ينا.

ولكن بعد فترة وجيزة من انتهاء التدخل، بدأ الين يتراجع، وظل سعر الدولار مقابل الين أقل من 164 ينا، أي عند مستوى نقطة التدخل، لمدة 3 أسابيع تقريبا، قبل أن يهبط إلى نحو 150 ينا في الـ 19 من أكتوبر الجاري.

قد يتساءل المرء عما إذا كان هذا التطور أمرا سيئا، لكن العملة الضعيفة من المفترض أن تعود بالفائدة على الصادرات، وتعزز النمو الاقتصادي بالتالي.

وتكمن المشكلة في أن شركات التصنيع اليابانية اتجهت، على نحو متزايد، إلى تحويل مرافق إنتاجها إلى الخارج خلال العقود الأخيرة، ورغم أن انخفاض قيمة الين يؤدي إلى تضخم أرباح الشركات التابعة الأجنبية، فإنه لا يعزز حجم الصادرات أو مستويات تشغيل العمالة المحلية، على الأقل ليس على الفور.

الدوافع الرئيسية وراء انخفاض قيمة الين تقع خارج نطاق سيطرة وزارة المالية و«المركزي» الياباني لاسيما مع ارتفاع أسعار الطاقة بسبب حرب أوكرانيا

الواقع أن انخفاض قيمة الين لا يجلب القليل من الفوائد فحسب؛ بل ينطوي أيضا على تكاليف عالية، في هيئة تضخم مستورد، فقد بلغ معدل تصخم المستهلك في اليابان 3 في المئة في أغسطس، ورغم أن هذا قد يبدو متواضعا مقارنة بالتضخم في أماكن أخرى - في الولايات المتحدة على سبيل المثال ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 8.2 في المئة في سبتمبر - فإنه أعلى معدل تشهده اليابان منذ عام 1991.

وقد فـرض هذا ضغوطا شديدة على حكومة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، التي جعلت مكافحة التضخم وتخفيف تأثيره على رأس أولوياتها، وكانت محاولة الحد من انخفاض قيمة الين - الذي يعتبره عامة الناس مسؤولا عن زيادات الأسعار - خطوة طبيعية في هذه العملية.

ومن المؤكد أن التدخلات في أسواق الصرف الأجنبي تكون عادة مشحونة سياسياً، ويؤكد الإجماع بين دول مجموعة السبع أن تحركات سعر الصرف يجب أن تحددها قوى السوق، لكن مجموعة السبع تتفق أيضا على أن التقلب المفرط أمر غير مرغوب.

ويبدو أن تحركات سعر صرف الين - أو على وجه التحديد انخفاض قيمته بأكثر من 25 في المئة مقابل الدولار هذا العام - تلبي هذا الشرط.

في الثاني والعشرين من سبتمبر، انخفضت قيمة الين بمقدار 2 ين لكل دولار قبل إغلاق يوم العمل، عندما بدأ التدخل، ومع نمو انحراف سعر الصرف بعيدا عن الاتجاه الطويل الأجل، ينمو أيضا الحافز للتدخل.

ومع ذلك، يزعم كثيرون أن محاولات اليابان دعم الين يحبطها بنكها المركزي، ويتمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء انخفاض قيمة الين في حرص بنك اليابان على الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة للغاية - يبلغ السعر الرسمي 0.1 في المئة بالسالب، في حين يبلغ سعر الفائدة على السندات لأجل 10 سنوات 0.25 في المئة - حتى في حين ترفع بنوك مركزية أخرى أسعار الفائدة.



لذا، كانت رؤوس أموال الـمحافظ تتدفق إلى خارج اليابان باتجاه اقتصادات مثل الولايات المتحدة،

كثيرون يزعمون أن «المركزي» الياباني يحبط محاولات دعم عملة بلاده حرصاً على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة

ولا يزال بنك اليابان ملتزما بهذا النهج، ففي يوم التدخل بسوق الصرف الأجنبي - بعد يوم من رفع سعر الفائدة في بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي بمقدار 75 نقطة أساس - أعلن محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا أن «المركزي لن يرفع أسعار الفائدة في المستقبل المنظور». ويزعم كورودا أن الاقتصاد الياباني لا يزال في وضع التعافي، وأن معدل التضخم «المرتفع» الذي بلغ 3 في المئة حالة مؤقتة.

علاوة على ذلك، إذا استثنينا الأغذية الطازجة والطاقة، يصبح معدل التضخم في اليابان أقل كثيرا - 1.6 في المئة في أغسطس، وهذا أقل من معدل التضخم المستهدف 2 في المئة الذي كان ساريا منذ يناير 2013، وما دام معدل التضخم في اليابان مختلفا بشدة عن نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا، فسوف تظل هذه أيضا حال سياستها النقدية. ويعد ضمان استقرار سعر الصرف جزءا من تفويض وزارة المالية، وليس بين تفويضات بنك اليابان.

وعندما تتدخل وزارة المالية في أسواق الصرف الأجنبي لكبح جماح التقلبات، فإنها بهذا تقوم بوظيفتها، تماما كما يقوم بنك اليابان بوظيفته عندما يعدل أسعار الفائدة لضمان استقرار الأسعار، وتجسد سلطة كل من الهيئتين تقسيما تكميليا للمسؤولية.

في كل الأحوال، تقع الدوافع الرئيسية وراء انخفاض قيمة الين خارج نطاق سيطرة كل من وزارة المالية وبنك اليابان، فقد ارتفعت أسعار الطاقة بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، بسبب القرار الذي اتخذته منظمة أوبك + بخفض إنتاج النفط، كما تعززت قيمة الدولار مقابل كل العملات الرئيسية بفعل إحكام السياسات النقدية التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي.

إذا انخفضت قيمة الين على نحو مفاجئ مقابل الدولار - وليكن ذلك بسبب أنشطة المضاربة - فقد تتدخل وزارة المالية مرة أخرى، لكن ما دامت الأساسيات الاقتصادية الحالية والظروف الخارجية قائمة، فسوف تستمر قيمة الين في الانخفاض، وسوف تستمر اليابان في استيراد التضخم، وليس لطوكيو أن تتوقع عكس اتجاه انخفاض قيمة الين بأي طريقة دائمة، إلا إذا تغيرت الظروف، وخاصة إذا انخفض التضخم في الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، قد يتسنى لليابان أن تجد طريقة لتخفيف آلام التضخم، فبوسع الشركات اليابانية المتعددة الجنسيات أن تمرر الأرباح التي تجنيها من شركاتها الأجنبية، بفضل ضعف الين، إلى العمال في اليابان.

بهذا، يتحول التضخم الذي يدفع التكلفة إلى الارتفاع إلى تضخم يجتذب الطلب، وقد يقرر بنك اليابان، في الأمد المتوسط، رفع التضخم أخيرا إلى الهدف 2 في المئة بطريقة مستدامة، وآنئذ يحين وقت البدء في زيادة السعر الرسمي وسعر الفائدة الطويل الأجل، مما يساعد في إبطاء انحدار قيمة الين دون إلحاق الأذى بالاقتصاد المحلي.

* نائب مساعد وزير مالية اليابان الأسبق، وهو أستاذ في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، وكبير أساتذة المعهد الوطني للدراسات السياسية العليا في طوكيو.

* تاكاتوشي إيتو

back to top