لماذا لا يصدّق الكويتيون بيانات «الإحصاء»؟!

• متأخرة زمنياً منحرفة مهنياً مضللة لمتخذ القرار
• بيانات «التضخم» تظهر ارتفاع تكاليف السكن 2% فقط منذ 2017!
• بيانات متوسط دخل الأسر الكويتية «أرقام صماء» ما لم تبين شرائحها

نشر في 23-02-2023
آخر تحديث 22-02-2023 | 18:26
محمد البغلي
محمد البغلي

أثارت بيانات الإدارة المركزية للإحصاء بشأن مؤشر أسعار المستهلكين «التضخم»، إلى جانب إعلانها نتائج مسح الدخل والإنفاق الأسري 2019/2021 في دولة الكويت خلال الفترة الماضية، ضجة في العديد من الأوساط ومواقع التواصل الاجتماعي التي رأت أن مقياس قياس التضخم في البلاد أقل بكثير من حقيقته على أرض الواقع، أو أن إعلان «الإحصاء» أن متوسط دخل الأسرة الكويتية الشهري يبلغ 4 آلاف دينار على درجة عالية من المبالغة والعمومية.

أي مطلع على واقع سوق العقار السكني يعلم أن بيانات «الإحصاء» غير دقيقة لا في تكاليف البناء والترميم ولا شراء الأراضي ولا الإيجارات

وفي الحقيقة، فإن أوضاع الإدارة المركزية للإحصاء بحاجة إلى فحص دقيق لبيان مدى التزامها، خصوصاً في السنوات الأخيرة، بتحقيق المتطلبات التي أنشئت الإدارة من أجلها، كجمع المعلومات الإحصائية السكانية والمالية والاقتصادية وغيرها بغرض تقديم بيانات وافية لمتخذ القرار، خصوصاً في ظل أوضاع لبلد مثل الكويت يستورد 90 في المئة من احتياجاته الغذائية و70 في المئة من احتياجاته الدوائية من دول العالم، مما يعني ارتباطه الدائم بالبيانات الضرورية الخاصة بالتضخم والاستيراد والطلب ناهيك عن حجم الاقتصاد ومكوناته.

تأخر التقارير

ولعل ما حدث خلال فترة جائحة كورونا من توقف لتقارير «التضخم» - وهي الشغل الشاغل لكل الاقتصادات حول العالم - مدة سبعة أشهر على التوالي من أبريل 2021 إلى نوفمبر 2021 قبل عودته لاحقاً دون بيان أسباب التوقف ولا كيفية إعادة احتساب البيانات بعد توقفها، لم يكن أمراً عرضياً، إذ لا تزال الإدارة المركزية للإحصاء متوقفة عن إصدار أحد أهم المؤشرات الخاصة بقياس أداء الاقتصاد، وهو البيان ربع السنوي للناتج المحلي الإجمالي المتوقف منذ نهاية عام 2020، أي منذ 8 فترات، وهو بيان فائق الأهمية، لأنه يقيس قطاعات الاقتصاد وأوزانها ومدى النمو أو التراجع، فضلاً عن تقديم معلومات ضرورية تحتاجها المالية العامة قبل وضع أي تصور لميزانية الدولة.

لا يجوز التسامح في مسألة عدم دقة البيانات مع تزايد الخطاب الرسمي لإعادة هيكلة الدعوم والخدمات التي تقدمها الدولة

كما توقفت الإدارة المركزية للإحصاء عن إصدار العديد من البيانات الأخرى المهمة، مثل المجموعة الإحصائية السنوية، وآخرها 2019-2020 وإحصاءات النقل والمواصلات 2021 وإحصاءات الثروة السمكية 2019 والإحصاءات الزراعية 2019 وإحصاءات البيئة 2020 والملامح الأساسية للعمالة الوطنية والوافدة في القطاع الخاص 2014.

اللافت أن تأخير عرض البيانات الإحصائية امتد إلى ما يعرف بـ «إنجازات الإدارة المركزية للإحصاء» على موقع الإدارة الإلكتروني، الذي احتوى على عرض واحد فقط لـ «إنجازاتها» خلال الفترة من يونيو 2010 حتى يونيو 2012 ولم تعلن بعدها أي إنجاز آخر!

شكوك حول المهنية

ومشكلة بيانات «الإحصاء» لا تقتصر على دقتها زمنياً، إنما حتى في جودتها مهنياً، وتحديداً عند قياس نسبة التضخم، والذي أعيد تركيب مكوناته في يونيو عام 2017 لتصبح 2013 هي سنة الأساس، عوضاً عن سنة 2007، إذ ارتفع التضخم في البلاد منذ إعادة ترتيب المكونات إلى آخر إعلان لشهر يناير الماضي (أي 68 شهراً) بواقع 13.9 في المئة مدعوماً بنمو عدد من المجموعات الرئيسية كالأغذية 29.4 في المئة، والكساء والملبوسات 9 في المئة، والمفروشات المنزلية ومعدات الصيانة 15.2 في المئة، وهي أرقام معقولة بالقياس مع أوضاع السوق وارتفاع مختلف الأسعار فيه.

غير أن المشكلة في قياس مستوى التضخم في البلاد كانت في أكبر أوزان المؤشر وهي المجموعة الخاصة بتكاليف السكن «خدمة المسكن» والتي تشكل 33.2 في المئة من حجم مجموعات قياس التضخم في البلاد، بالتالي فإن الاختلال في قياس هذه المجموعة - نظراً إلى حجمها بين بقية المجموعات - سيؤثر بصورة كبيرة على جودة ومهنية مؤشر نسبة التضخم.

«الإحصاء» متوقفة عن إصدار «الناتج المحلي الإجمالي الربعي» منذ نهاية 2020 وهو أحد أهم المؤشرات الخاصة بقياس أداء الاقتصاد

فحسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء، ارتفعت مجموعة «خدمة المسكن» منذ شهر يونيو 2017 الى شهر يناير 2023 بواقع 2 في المئة فقط، وهو ارتفاع يعلم أي شخص له ارتباط بواقع السوق العقاري السكني أنه غير دقيق، لا على صعيد تكلفة البناء والترميم، ولا شراء المنازل والأراضي، ولا على صعيد الإيجارات، ورغم أن شرح هذا الاختلال في قياس بيانات التضخم مسؤولية الإدارة المعنية، فإن ثمة معلومات عن أن القياس لما يعرف بـ «خدمة المسكن» مرتبطة بالشقق الاستثمارية وفقاً لفرضية - غير واقعية - بأن المواطن يتحصل على رعاية سكنية شبه مجانية وبدل للإيجار، وهي فرضية بالتأكيد تناسب واقع حال ما قبل 40 عاماً، لا اليوم.

أرقام صماء

أما مسح الدخل والإنفاق الأسري 2019/2021 وهو متأخر تسع سنوات عن آخر مسح في عام 2013 فهو يقدم أرقاماً صماء لمتخذ القرار من حيث تحديد متوسط دخل الأسر «الكويتية» عند 4837 ديناراً، وبعد استبعاد الإيجار التقديري للكويتيين المالكين لمنازلهم يصبح الدخل الشهري 3994.9 ديناراً، فيما بلغ إنفاق الأسر الكويتية المالكة لمنازلها 3296 ديناراً، في حين بلغ متوسط دخل الأسر غير الكويتية 1131 ديناراً ومتوسط إنفاقها 1073 ديناراً، وهي في حقيقتها أرقام عامة ولا تقدم لمتخذ القرار أي صورة عن تفاوت متوسطات الدخل بين المواطنين أو غير المواطنين، وكان الأفضل في هذه الحالة كي تكون البيانات أكثر واقعية وفائدة أن تشمل شرائح خاصة بالدخل للمواطنين وغير المواطنين، مثلاً أقل من 1500 دينار، أو أقل من 3000 دينار، أو 5000 دينار فما فوق، لتتضح الصورة خصوصاً مع تزايد الخطاب الرسمي الخاص بإعادة هيكلة الدعوم والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين والمقيمين.

فالتهاون في مسألة تأخر أو ضعف مهنية البيانات والإحصاءات الاقتصادية أمر غير مقبول ويجعل اتخاذ أي قرار اقتصادي عرضة لنتائج ذات عواقب معاكسة، وهو تعبير بدرجة ما عن تراجع دور ومهنية العديد من المؤسسات الاقتصادية في البلاد بشكل يعطي نتائج سلبية، إن لم يتم تداركها سريعاً.

back to top